بعد شهرين من عملية محاذاة المرآة، حقق تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة "ناسا"، تركيزًا شديد الوضوح باستخدام كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة، وهي مرحلة حاسمة في تشغيل التلسكوب للعمليات العلمية في وقت لاحق من هذا العام.
يعمل التلسكوب بشكل جميل، ويعني أداؤه البصري الرائع أن الفريق يتوقع أن المرصد سيحقق أو حتى يتجاوز جميع الأهداف العلمية التي صممه لتحقيقها.
الآن سيعمل المهندسون على تحسين تركيز تلسكوب جيمس ويب للأجهزة العلمية الثلاثة الأخرى (NIRSpec وMIRI وNIRISS)؛ مما سيضمن أن تكون جميع الصور للكون واضحة تمامًا.
قد لا يعرف الجميع أن جعْل تلسكوب جيمس ويب عالي التركيز، مَهمة شاقة؛ وذلك بسبب مرآته المجزّأة والسداسية، وهو تعقيد إضافي كان لا مفر منه؛ فلم يكن أي صاروخ كبير بما يكفي لإيواء جيمس ويب في شكله التشغيلي؛ لذلك كان لا بد من طيه للإطلاق. عملية التركيز بدأت بمجرد وصوله إلى وجهته، نقطة لاغرانج الثانية (L2)، على مسافة حوالى 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، في يناير 2022.. وبمجرد محاذاة أجزاء المرآة بشكل تقريبي؛ بدأ المهندسون بأخذ لقطة من نجم ساطع.
قبل حصول التلسكوب على التركيز؛ رصد تلسكوب جيمس ويب 18 بقعة ضبابية، وصورة واحدة للنجم لكل جزء من أجزاء المرآة.. باستخدام المحركات السبعة الموجودة في الجزء الخلفي من كل جزء لقلب وإمالة وثني المرايا؛ ركز العلماء كل صورة نجمية كما لو كانت من 18 تلسكوبًا مختلفًا، ثم قاموا بتحريك كل جزء ليجعلوا النجوم في خط واحد وجعلوا المرايا السداسية تعمل كتلسكوب واحد لأول مرة، وفي هذه المرحلة كان لدى تلسكوب جيمس ويب القدرةُ على جمع الضوء من التلسكوب الكامل؛ ولكن ليس التركيز عالي الدقة الذي يحتاجه للعلم.
قام العلماء في عملية متكررة تتضمن مئات اللقطات، بنقل 18 نسخة من النجم المستهدف المحدد (HD 84406 أو 2MASS J17554042 + 6551277)، كلاهما باهت جدًّا بحيث لا يمكن رؤيته بالعين المجردة) حول مستوى صورة تلسكوب جيمس ويب. ونشر العلماء الصور النجمية، ثم قاموا بتعديل البؤرة حتى يتمكنوا من جعل جيمس ويب أكثر وضوحًا.
الآن يرصد تلسكوب جيمس ويب الكونَ بنفس المستوى من التفاصيل مثل تلسكوب هابل الفضائي؛ ولكن في جزء من طيف الضوء غير المرئي لتلسكوب هابل.. نحن نرى هذا الجزء من الكون في ضوء الأشعة تحت الأحمر بتفاصيل لم تشاهد سابقًا.
المهمة العلمية لم تبدأ رسميًّا بعد؛ إلا أن هذه الصورة الأولى تُوَضّح مدى التحول الذي سيُحدثه جيمس ويب في الفيزياء الفلكية. في هذه الصورة، ركّز التلسكوب على النجم لمدة 35 دقيقة (مما يُثبت أن قدرات التتبع لديه ممتازة) تقريبًا لكل بقعة.. كل نقطة ضوء في الخلفية، ليست نجمًا؛ بل مجرة، لم يسبق رؤيتها من قبل بمثل هذه التفاصيل الرائعة.. لقد سافر ضوء تلك المجرات عبر الكون لمليارات السنين، فقط في انتظار أن نبني تلسكوبًا حساسًا بدرجة كافية لرؤيتها. قد يكون بعضها مجرات لم تكن معروفة من قبل؛ على الرغم من أننا سنضطر إلى انتظار مزيد من التحليل لفهم العجائب الكونية التي كُشفت لنا الآن.
بالنسبة للتموجات المنبعثة من النجم، فهذه أنماط حيود، وتداخل لا مفر منه من هيكل التلسكوب، مثل حوافّ المرآة السداسية، ودعامات الدعم التي تحمل المرآة الثانوية. ومن المثير للاهتمام أنه يمكن التمييز بين النجوم والمجرات في الصورة؛ حيث تميل النجوم إلى أن يكون لها أنماط حيود؛ في حين أن المجرات الخافتة لا تفعل ذلك. انظر مرة أخرى إلى الصورة، ولاحظ قلة عدد الأجسام التي تحتوي على طفرات الحيود.
قد يقوم المهندسون بتحريك مقاطع المرآة الأساسية قليلًا؛ لكنهم سيستخدمون أيضًا آليات داخلية داخل الأدوات نفسها. سيكون جهاز MIRI الأخير الذي يتم التركيز عليه؛ حيث يبرد لدرجة حرارة تشغيله البالغة (- 266 درجة مئوية).
يجب تحقيق المحاذاة الكاملة بحلول شهر مايو، وبعد ذلك لن يقوم علماء الفلك بتحريك مرايا التلسكوب مرة أخرى بشكل كبير. فقط التعديل مرتين في الأسبوع إذا تسببت تقلبات درجات الحرارة في تحرك المرايا قليلًا. بعد ذلك ستبدأ الاستعدادات العلمية بشكل جدي، مع إصدار الصور العلمية الأولى في يونيو أو يوليو 2022.
لا يوجد أدنى شك في أن تلسكوب جيمس ويب الفضائي سيعمل على تحويل فهمنا لكل فرع من فروع الفيزياء الفلكية تقريبًا، من الكويكبات في النظام الشمسي إلى العوالم البعيدة حول النجوم الأخرى؛ فهو سوف يلتقط الضوء من النجوم والمجرات الأولى، ويساعدنا على فهم مكاننا في الكون.