بعد أن كان معدل المواليد في السعودية 44 مولودًا لكل ألف نسمة من السكان في عام 1980م، شهد هذا الرقم تناقصًا متسارعًا؛ ليصل اليوم إلى ما يقارب 17 مولودًا لكل ألف نسمة، حسب تصنيف مؤشرات التنمية العالمية (WDI). أما معدل الخصوبة الكلي الذي يقيس متوسط عدد مرات الولادة لكل امرأة فقد وصل اليوم في السعودية إلى (2.3)، وهو رقم مخيف؛ يدق ناقوس الخطر.. فلماذا؟!
يُعرف الحد الأدنى للإنجاب بالمعدل (2.1)؛ أي بعبارة أخرى: إن الهبوط عن هذا المستوى يعني اضمحلال أعداد السكان تدريجيًّا، واختلال تركيبتنا السكانية بشكل قد يصل بنا إلى مرحلة يصعب علينا عكس آثارها؛ ما يضطرنا إلى الاستعانة بالمزيد من الوافدين. وما نراه اليوم أن السعودية قد شارفت على ملامسة هذا الرقم غير المطمئن.
الثروة البشرية هي التي تصنع الأمم، وهي عامل الزخم الأهم الذي يسهم في ازدهارها، والمحافظة على حضارتها. اسألوا الصين، وقوام شعبها الذي يناهز 1.5 مليار نسمة، عن سياسة تحديد النسل التي ألغتها منذ سنوات، وكيف أصبحت تشجع شعبها باستماتة على إنجاب المزيد من الأطفال. واسألوا اليابان عما يعانيه اقتصادها بعد انخفاض عدد سكانها إلى ما دون 126 مليون نسمة، والحوافز المادية والمعنوية التي تقدمها الحكومة للأسر لتشجيعها على زيادة الإنجاب، واضطرارها للسماح بدخول أعداد كبيرة من الوافدين لتعويض التناقص الحاد في عدد القوى العاملة. واسألوا القارة العجوز ودولها الأوروبية التي تعيش أسوأ أيامها منذ عقود بعد أن اتخذوا الكلاب بديلاً للأطفال؛ فتدهورت أوضاع مساهمة الأفراد في الناتج المحلي، وتآكلت العوائد، وسافر جزء منها إلى الخارج.
النمو السكاني نعمة في الدول التي تتمتع حكوماتها بحسن الإدارة والتخطيط.. وهو نقمة على تلك الغارقة في وحول الفساد والجهل وانعدام الموارد الطبيعية. النمو السكاني نعمة في الدول المحكومة برؤية واضحة، ومقومات تنموية قابعة.. وهو قنبلة موقوتة في الدول الهائمة على وجهها، التي لا تملك قرارها السيادي.. إلا أن النمو الديموغرافي بكل زواياه يجب أن يكون مدروسًا؛ ليسمح بالتأهب المبكر بالتخطيط والبرامج، ولكيلا يتحول إلى عبء يهدد الاقتصاد والصحة والتنمية كما رأيناه في عدد من دول العالم الثالث.
حسنًا فعلت السعودية حين شرعت في استقطاب العقول البشرية المميزة، ومنحهم الجنسية السعودية؛ وهذا يظهر جدية السعودية للاستفادة من العلماء لتحقيق مستهدفات (رؤية 2030) التي تعول كثيرًا على العنصر البشري. وهذا على كل حال لا يؤثر سلبًا على الفرص الوظيفية للكفاءات المحلية، بل يعززها نظرًا لما يضيفه هؤلاء العلماء الموهوبون من قدرات تنموية في كل مجالات الحياة. كما أن الوافدين بالمجمل يلعبون دورًا جوهريًّا في نهضة اقتصادات الدول؛ طالما أن وجودهم لا يؤثر على تنافسية الوظائف للكفاءات الوطنية، أو هجرة الأموال بشكل مفرط.
أغلب المؤشرات تدل هذه الأيام على أن اقتصاد السعودية يعيش أفضل أيامه -ولله المنة-، وتتوقع حدوث قفزات نهضوية أكبر في مختلف المجالات؛ الأمر الذي يتطلب منا معالجة أسباب انخفاض معدل الخصوبة بين المواطنين بهذا الشكل المقلق، والحفاظ على مستوى نمو سكاني للمواطنين موزع بشكل مدروس، وبما لا يتسبب بالضغط الشديد على الموارد الطبيعية، أو التراجع في جودة الحياة والخدمات الأساسية.