عقب ظهور ثورة الاتصالات خلال السنوات الماضية برزت إلى الوجود وسائط التواصل الاجتماعي التي شغلت حيزًا كبيرًا في حياتنا، ولم يعد هناك بيت يخلو منها؛ وذلك لأسباب متعددة، في مقدمتها سهولة استخدامها؛ إذ لا تحتاج إلى خبرة واسعة أو رأس مال كبير؛ ويمكن لأي شخص مهما كان مستواه التعليمي أو خبرته العملية أن يكون ناشطًا فيها.
كذلك تمتاز هذه الوسائط بقدرتها الفائقة على الوصول إلى شرائح المجتمع كافة؛ فهي تدخل إلى البيوت كافة، وتخاطب الجميع بدون استئذان، بصورة أشبه ما تكون إلى فرض الأمر الواقع. إضافة إلى ما سبق فقد اكتسبت تلك الوسائط أهمية كبيرة بعد الانهيار السريع للصحف الورقية بمفهومها التقليدي، وباتت هي الأسلوب الذي يطلق عليه مصطلح "الإعلام البديل"، وزادت أهميتها بعد تحول المشاهير والمؤثرين إلى نجوم تسعى وراءهم الشركات التجارية لعمل الإعلانات التي تدر عليهم أرباحًا ضخمة.
أما الجانب الأكثر خطورة في تلك الوسائط فهي أنها لا تخضع للرقابة كما هو الحال في وسائل الإعلام المعروفة؛ فليست هناك جهات مختصة تقوم بإجازة ما يُنشر فيها وتمنح الإذن بالنشر، بل إن بإمكان أي شخص أن يكتب ما يشاء، ويصور ما يريد، ويقوم بنشره بمنتهى السهولة، وبكبسة زر بسيطة، وفي ثوانٍ معدودة يكون بمقدور الجميع الاطلاع عليه، والتفاعل معه، وإعادة بثه من جديد.
ورغم وجود متابعة لاحقة لما يُنشر من جانب الجهات الأمنية، وجدية تامة من النيابة العامة في إحالة المتجاوزين للجهات العدلية لمحاسبتهم ومعاقبتهم، إلا أن ذلك الإجراء يتم بعد وقوع "المحظور" في أحيان كثيرة، ومهما كان حجم الإجراء الذي يتم اتخاذه إلا أنه يندرج تحت بند "رد الفعل" الذي هو في كل الحالات أقل تأثيرًا من الفعل نفسه.
والمتابع لهذه الوسائل الإعلامية يلحظ بسهولة أن هناك كمية كبيرة من المخالفات التي يمكن تصنيفها كجرائم يتم نشرها، مثل مشاهد التفحيط، ومخالفات أنظمة السير، والاعتداءات على الآخرين وتهديد حياتهم، والتطاول عليهم في أعراضهم وسمعتهم بالسب والقذف، حتى تحوَّل لما يشبه "الحراج" الذي ليس عليه رقيب أو حسيب.
كل ذلك بهدف الوصول إلى مرحلة "الهاشتاغ"، وزيادة نسبة المشاهَدة التي كلما ازدادت تضاعفت معها الأرباح؛ فأصبحوا لا يتورعون عن ارتكاب المخالفات للحصول على المال؛ ولذلك تحوَّل الأمر إلى "بيزنس"، الهدف الوحيد فيه هو نسبة المشاهَدة بغض النظر عن جودة المادة أو رداءتها.
هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية، هي أن معظم الأطفال والمراهقين يتابعون باستمرار ما يتم نشره في السوشال ميديا؛ فقد أصبح أولئك المشاهير بمنزلة قدوة لهم؛ ربما يقلدونهم فيما يقومون بنشره دون وعي لحقيقة تصرفاتهم وأفعالهم.
ومما يؤسف له أن أولئك الذين أنعم الله عليهم بنعمة الشهرة والقبول بين الناس كان من الممكن أن يتحولوا إلى عناصر إيجابية؛ تسهم في تحقيق الوعي ونشر التنوير والتعليم، وأن يستغلوا تأثيرهم المجتمعي الكبير بصورة مثالية، يدعون فيها لما ينفع الناس ويقود لتحقيق الأهداف العليا، لكن معظمهم لم يستطع سوى الركض وراء المكاسب الذاتية، وتحقيق المنافع الخاصة.
ومع التسليم بحق أي شخص في البحث عن مصالحه الخاصة، وزيادة رزقه، لكن هذا يمكن تحقيقه بدون تجاوز للأنظمة.. فهناك الكثير من القصص الإيجابية التي يمكن لنا أن نرويها، والمشاهد التي يمكن أن نتشاركها، وليس بالضرورة أن يكون تحقيق الربح عن طريق التجاوز والسب والشتم!
لذلك تبرز الحاجة إلى رفع مستوى التوعية بخطورة هذه الوسائط، ولفت أنظار المشاهير لخطورة ما يقومون بنشره، وضرورة التزامهم بالأنظمة والقوانين والآداب العامة التي تربينا عليها في مجتمعنا السعودي المعروف بحرصه على مكارم الأخلاق والقيم الفاضلة. ولأن هناك من المؤثرين مَن يبذلون الجهد، ويلتزمون بالأنظمة والتعليمات، ويتقيدون بتقاليد المجتمع وعاداته الراسخة، فإن هؤلاء يستحقون التكريم والتقدير؛ وذلك لترغيب الآخرين؛ كي يحذوا حذوهم.
أما الذين اعتادوا على التجاوز والانتهاك فإن هؤلاء لا يُجدي معهم غير تغليظ العقوبات، وإيقاع الجزاء اللازم، ونشر ذلك على الملأ؛ حتى يكونوا عبره لأمثالهم، ولاسيما أن الفقرة (1) من المادة السادسة لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية تنص على أنه (يعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يقوم بإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه في الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي). وفي تطبيق هذه العقوبة ردع وتأديب؛ فقديمًا قيل إن من أَمِن العقوبة أساء الأدب.