لم يكن سالم راضيًا عن طريقة حديث الطبيب معه في العيادة، لم يحصل على الوقت الكافي للحديث عن مشكلته، مقاطعة مستمرة تارة بدخول الممرض، وتارة بجرس الهاتف الذي لم يهدأ ولم يتلطف الطبيب مشكورًا بإغلاقه أو إصماته؛ ناهيك عن متابعة الطبيب لمستجدات الأحداث ونتائج المباريات عبر النت أثناء حديث المريض، أما ثالثة الأثافي فهي تأفف الطبيب وتكرار النظر للساعة مما زاد الطين بلة والوجع شدة.
قرر "سالم" تغيير الاستشاري، قاده القدر لطبيب متميز حسب ما سمع عنه، الطامة عندما دخل العيادة ليجد الطبيب لا يعرف من اللغة العربية إلا ما أعرفه من الصينية؛ ليتحول الحوار إلى ما يشبه حوار الطرشان (الأطرش يختلف عن الأصم فالأطرش يسمع قليلًا والأصم لا يسمع أبدًا).
ويستمر البحث، ولأن الثالثة ثابتة، و"المنحوس منحوس ولو علقوا برأسه فانوس"؛ فقد أوقعه حظه في استشاري ثالث عصبي، استمع له لثوانٍ وقاطعه قائلًا "أنت بخير، احمد ربك، أحسن من غيرك" فخرج على الفور لتنهمر دموعه وتقول ما عجز لسانه أن يقوله.
بغضّ النظر عن التقدم العلمي وتقدم التكنولوجيا سيظل البشر دائمًا بشرًا، عاطفيين يتوقون للتواصل الشخصي المليء بالود والاحترام والشعور بمعاناة الطرف الاخر، والداعم لبناء ثقة أكبر بين الطرفين.
يحتاج المريض قبل الدواء لكلمة طيبة تخفف عنه أعباء المرض، ويحتاج الطبيب دومًا أن يكون على درجة عالية من القدرة على التواصل مع المريض ومحاولة فهمه بشكل أكبر للمساعدة وتقديم خدمات أفضل.
الطبيب قد يكون مبدعًا، متميزًا، وصاحب صيت عالٍ في مجال عمله؛ لكنه يفتقد لأبسط مهارات التواصل الفعال مع المريض، وقد لا يكون متميزًا علميًّا أو من العشرة الأوائل؛ لكنه أنيق في التواصل مع مرضاه ويحبونه؛ بل حديثه بلسم قد يغني عن الدواء.
إن الحرص على ممارسة أفضل السبل للتواصل مع المريض؛ سيؤدي لدعم الارتباط الإيجابي والتواصل الفعال مع المريض؛ وبالتالي فهم المشكلة المرضية وإعطاء العلاج المناسب من خلال تعزيز العلاقة بالمريض، بناء الثقة، والاستجابة لمشاعر المريض.
يعاني كثير من المرضى من جلوسهم إلى طبيب لا يعرفون حتى اسمه، ويعاني آخرون من عدم الاستماع لهم، وعدم إعطائهم فرصة للحديث عن مخاوفهم والمفاهيم الخاطئة لديهم، ونقاش ما يعرفونه وما يجهلونه عن المشكلة المرضية.
مشاكل التواصل لا تنحصر في الحديث مع المريض؛ بل تمتد إلى سوء فهم الحالة، وسوء التوثيق، والفشل في قراءة السجل الطبي، وعدم كفاية الموافقة المستنيرة، والاستجابة لشكوى المريض بطريقة جافة، وعدم إعطاء المريض معلومات كافية عن الدواء، وإعطاء تعليمات ناقصة للمتابعة، وعدم إعطاء المريض نتائج أو إعطائه نتائج خاطئة، والحواجز اللغوية.
حقق خبراء السلامة الطبية في CRICO Strategies (CRICO هي ذراع إدارة المخاطر للمؤسسات الطبية بجامعة هارفارد) في 23 ألف دعوى قضائية تتعلق بسوء الممارسة الطبية، ووجدوا أن أكثر من 30% من هذه الدعاوى تعزى لفشل في التواصل، وأدت حالات فشل التواصل إلى 1.7 مليار دولار في تكاليف الممارسات الخاطئة، وما يقرب من 2000 حالة وفاة يمكن تجنبها.
باستخدام نظام المقارنة المعيارية لاستراتيجيات CRICO، والذي يحتوي على أكثر من 320 ألف حالة ممارسة طبية من أكثر من 400 مستشفى على مستوى البلاد؛ وجد الباحثون أن 38٪ من حالات الطب العام تنطوي على فشل في الاتصال، و34٪ من حالات التوليد، و32٪ من حالات التمريض، و26٪ من حالات الجراحة.
الحلول كثيرة وفي مقدمتها تدريس مهارات الاتصال لطلاب الطب وللأطباء المتدربين، بالإضافة تطوير مهارات الاتصال للأطباء، والأهم فهم أهمية مهارات التواصل وتطوير تلك المهارات، وجعل التواصل ومهاراته جزءًا من ثقافة المؤسسة الصحية، وعمل استطلاعات لرضا المرضى، وتوظيف لتكنولوجيا بالطريقة الصحيحة لخدمة التواصل.