نعيد بين حين وآخر تكرار المطالبات بتكريم الشخصيات المشهورة بعلمها وعملها في السعودية، ونكتشف نماذج وطنية، تستحق التكريم والتقدير في كل شارع ومدينة وقرية، نعلم وندرك إسهاماتهم، لكنهم يؤثرون الاختفاء والبُعد عن الأضواء.. فمؤكد أن هناك "مختفين" لهم اليد الطولى في المبادرات والمساهمات المجتمعية والخيرية بالمال والفكر والجهد.
لنتصارح قليلاً، ونعترف أن إعلامنا قد دعم مشاهير "الصدفة"، وأتاح لهم المنصات الرسمية للابتذال؛ وهو ما أسقط الإعلام في فخ "ما يطلبه الجمهور"! فبحصر بسيط لأشهر برامج القنوات السعودية، حكومية أو خاصة، نجد أن مشاهير سناب شات لهم حضور بحوار أو تعليق أو حدث.
صراع بين جهد عالم أو مفكِّر للانتشار، وصعود صاروخي لـ"سنابيين" حققوا الحضور القوي بغمزة أو حركة أو إيماءات.. فتصدروا المشهد الإعلامي في أشكاله كافة، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو المنصات الإعلامية الرسمية.
سنكتشف بعد حين أن صناعة المحتوى الإعلامي الرسمي أصبحت تعتمد اعتمادًا كليًّا على ما ينقله الصحفي المواطن من حدث عبر جواله في قروبات الواتس أب، أو حساب تويتر، أو عبر التيك توك.. فأصبحت كل هذه المنصات الجديدة وسيلة للتوعية وبناء الفكر للمجتمع والأجيال القادمة، وقد وجدت الدعم من المجتمع بالمتابعة، ودفنت العبارة السمجة "أين إعلامنا من...؟". فحين أصبح دعاتها يملكون وسائل للحديث تفرغوا للتفاهات والمداعبات لحصد متابعين ومعجبين.
المشكلة الكبرى لدى المتلقي في السعودية أن من يتصاعد نقدهم بين حين وآخر تستعين بهم جهات حكومية، وتتبناهم وتدعمهم لبث أعمالها الواجبة، وإبراز جهودها التي فرضها النظام من خلال حسابات المشاهير في سناب شات بتسويق غير مباشر. واليوم بعض هذه الجهات تعاني تعدي هؤلاء المشاهير وتهورهم في الدعوة لعادات صحية غير سوية، وأفعال تجارية غير مقبولة، وأفكار وتجارب متهورة.
أصبح هؤلاء المشاهير اليوم لهم التأثير المباشر والعميق والقوي.. ويمكن أن يغيِّروا قناعات. فاليوم يحصد مشهور أو مشهورة حضورًا على وسائل الإعلام كافة بمجرد كلمة مفاجئة شاردة، أو عبر فعل أو أسلوب حياة همجي أو خيالي.. فهنا من اشتهرت بكلمة، وثانية اشتهرت بحوارات تستعرض حياتها وجسدها، ويقابلها أحدهم اشتهر بهمجية حياة، وثانٍ بالتقليل من أهل العلم، وثالث ورابع وعشرات ممَّن لا يتجاوزن عرض تفاهاتهم وقهقهاتهم التي قَبِلها المتابع.
أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة تستوجب تفكيرًا عكسيًّا، يوجب أنه بدلاً من محاربة هؤلاء المشاهير يتم العمل على إعادة تأهيلهم ثقافيًّا، وعلميًّا، وسلوكيًّا، مع تجفيف مصادر دعمهم، وإحكام الرقابة على محتواهم بجهد مشترك، تقوده وزارة الداخلية للحفاظ على أمن المجتمع بمشاركة وزارة الإعلام، ووزارة الثقافة، ووزارة التعليم مع الجهات ذات العلاقة؛ وذلك لتحسين جودة الحياة عبر إعادة تنظيم أعمال المشاهير، وتطوير أفكارهم.
غاب بعض علماء الدين والفكر والثقافة عن توعية المجتمع، وبقوا على أساليبهم القديمة التي لم تعد ذات تأثير في الأجيال الجديدة التي أصبح فكرها مختلفًا، ورؤيتها أكثر وضوحًا، ونظرتها للحياة أكثر واقعية.
نعم أصبح هناك جيل جديد، هدفه الأول أن يكون مشهورًا؛ فيجد المال الوفير والمصفقين والمعجبين!!