شموخ سمو ولي العهد

منذ توليه ولاية العهد قبل نحو سبع سنوات، رأى كثير من المراقبين أن سمو الأمير محمد بن سلمان سيُحدث تغييرًا جذريًّا للمفاهيم التقليدية محليًّا، ويعيد تأهيل المؤسسات وهيكلتها ومحاربة الفساد، وسيعيد النظر في علاقات المملكة مع دول العالم.. وقد أجمَلَ أفكاره الاستراتيجية في رؤية 2030 الطموحة.

وقد أوقع هذا التغيير المفاجئ في منظومة الحكم السعودية، كثيرًا من المتابعين الغربيين -ممن يسمون بالحلفاء والأصدقاء- في حيرة من أمرهم، وحاولوا جهدهم الاقتراب منه والتعرف على منهجيته في إدارة البلاد سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. وما أذهلهم هو أنه بدأ بالرؤوس الكبيرة التي دارت حولها تهم كثيرة بالفساد واستغلال النفوذ لغايات الإثراء غير المشروع؛ ومنهم أفراد من العائلة المالكة.

لقد أراد أن يقول للعالم إن المملكة ليست بيتًا مُشرَع الأبواب للناهبين والمستغلين والمسيئين لسمعتها؛ بل أصبح يقف على هذه الأبواب حراس حريصون على أمنها واستقرارها واستقلالها وخصوصيتها الثقافية والدينية، ولا يقبلون المساومة عليها وعلى مصالحها وثوابتها، كما لا يقبلون أية إملاءات أو تدخلات في شؤونها الداخلية تحت ذرائع شتى.

"نحن لسنا جمهورية موز" قال لهم محمد بن سلمان، ومن أراد التعامل معنا فعليه أن يتعامل بنزاهة وتكافؤ واحترام متبادل؛ وإلا فإن البدائل والخيارات كثيرة في هذا العالم.

ومثل كل التغييرات، واجهت الأمير محمد بن سلمان مقاومة من قوى الشد العكسي ومن تيارات مدفوعة بأجندات وإيحاءات خارجية، كما واجهت عقبات نتيجة للأخطاء القاتلة لبعض الدخلاء، إضافة إلى حرب اليمن، ومن قوى تعتقد بأن نظامها السياسي وقيمها هي الأسمى؛ في الوقت الذي نراها تكيل بعشرات المكاييل في تعاملها مع القضايا السياسية والإنسانية عندما يتعلق الأمر بالشعوب العربية والإسلامية.

لقد كانت السنوات التي تلت تولي سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، سنوات صعبة ومليئة بالتحديات والألغام من قوى إقليمية و"صديقة" و"حليفة"، لكنها كانت أيضًا سنوات صمود وانتصار، فعلى الرغم من محاولات الحجب عن المشهد العالمي، إلا أن بريق الأمير عاد إلى أَلَقِه في أعقاب الأزمة الأوكرانية وتَبِعاتها، وبلغ هذا البريق ذروته في جولة سموه الأخيرة إلى كل من مصر والأردن وتركيا، وهي جولة رأى كثير من المراقبين أنها استباقية لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة الشهر القادم.

يقول مَثَل قديم: "إذا جاء الكبار، فاستبشر بالظل"، وكان هذا المثلُ أوضَحَ ما يكون في هذه الجولة التي حلّت خلافاتٍ عالقةً، ووضعت أسسًا جديدة لعلاقات التعاون في مجالات كثيرة. وعلى الرغم من أن مصر مثقلة بالديون (نحو 350 مليار دولار)؛ إلا أن المملكة لم تتوقف عن مد يد العون لها؛ فبلغت الاتفاقات ما يقارب ثمانية مليارات دولار في مشاريع اقتصادية واستثمارية مشتركة، إضافة إلى وديعة مالية بالمليارات.

أما الأردن، فمما لا شك فيه أن العلاقات بين البلدين الشقيقين مرت بمراحل اتفاق في بعض القضايا وتباين في قضايا أخرى، وخلال الزيارة وضع الطرفان حدًّا لكل اللغط، واتفاقًا واضحًا على مجمل القضايا.

ومن المؤكد أن المملكة، التي تمد يد العون لكثير من دول العالم؛ لن تبخل على الأردن بالمساعدة؛ فالعلاقات الإنسانية والروابط المشتركة يجب تمتينها والارتقاء بها والحفاظ عليها، وقد تجلت في تقليد الملك عبدالله الثاني لسموه أعلى وسام أردني، وفي ذلك الاحتضان الدافئ من سمو الأمير محمد بن سلمان لسمو ولي عهد الأردن الشاب، وهي لفتة استوقفت كل من شاهدها، وعبّرت عن كل الحب الذي يفيض به قلب سمو ولي العهد.

لقد وُصفت زيارته لتركيا بأنها "غير مسبوقة"، فقد حظي سموه بالاستقبال والحفاوة التي يستحقها، والتي اكتسبها عن جدارة، وأعاد العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها، بعدما تعثرت وأصبحت الخلافات من الماضي.

وجاء في البيان الختامي عن الزيارة، أن "تركيا والسعودية تؤكدان عزمهما إطلاق حقبة جديدة من التعاون في العلاقات الثنائية؛ بما في ذلك السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية"؛ مؤكدًا "أننا نعتزم مواصلة التعاون وتطويره على أساس الأخوة التاريخية بما يخدم مستقبل المنطقة".

ومما لا شك فيه أن تمتين العلاقات الاستراتيجية يخدم مصالح البلدين الشقيقين، فتركيا بلد قوي وصديق يعتمد عليه ومواقف قيادته متميزة؛ فعلى الرغم من عضويتها في حلف الناتو؛ فإنها دولة "مشاكسة" وترفض سياسة القطيع، وقد أثبتت ذلك في تنويع مصادر تسلحها على الرغم من غضب الإدارة الأمريكية، ووقفت إلى جانب أذربيجان في حربها ضد أوكرانيا؛ على الرغم من اعتراض روسيا التي اشترت تركيا منها منظومة الدفاع الصاروخي إس- 400 بعدما سحبت الولايات المتحدة صواريخ الباتريوت.

وفي المباحثات مع قادة الدول الثلاث، أكد سموه على ثوابت المملكة وخاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وهو موقف لن تساوم المملكة عليه في المباحثات المرتقبة مع الجانب الأمريكي.

لقد أثارت زيارة سمو ولي العهد لتركيا حفيظة أطراف كثيرة، وفي أثناء مراسم استقبال سموه في الدول التي زارها؛ لفت انتباه الجميع أن سموه كسر بروتوكول الانحناء لحرس الشرف، واستبدله بتحية الإسلام "السلام عليكم". محمد بن سلمان لا ينحني لأحد إلا لله ثم لوالد الشعب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ هكذا قال محبوه.

يا ابن سلمان وأبو سلمان.. أنت الشموخ؟! أنت المجد والعزة والمستقبل، ولن تخذلنا، ونحن على عهد الوفاء لك والله معك.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org