لا يمكن لأحد أن يصدِّق أن مشاهد الازدحام والافتراش التي تشهدها الصالة الشمالية في مطار الملك عبدالعزيز في جدة حديثة، وقعت هذا الأسبوع على مرأى وسائل الإعلام المحلية والعالمية، التي نقلت الحدث بالصوت والصورة ومقاطع الفيديو أيضًا.
ما يحدث في مطار الملك عبدالعزيز أمرٌ غير مقبول: معتمرون رجالاً ونساء منتشرون هنا وهناك، حوَّلوا أرضية الصالة على اتساعها إلى أسرَّة، يجلسون وينامون عليها، وقد هدَّهم التعب، وظهرت عليهم علامات الإرهاق والترقب، ينتظرون رحلاتهم التي تأخرت عن موعدها ساعات طويلة، بل إن بعضهم قد مكثوا في صالة المطار أكثر من يوم كامل، يلتحفون العراء، وينامون فوق ملابس الإحرام والشراشف بجوار حقائبهم، في مشاهد لا يمكن الجزم بأنها حدثت في مطار سعودي في عام 2022.
قد تكون هذه المشاهد مقبولة في فترة سابقة، وتحديدًا قبل رؤية 2030 التي نجحت في تنظيم الكثير من الأنشطة والمجالات، والارتقاء بها إلى أعلى مستوى من الانضباط، ومن بينها نشاط السياحة الدينية، وتفعيل رحلات العمرة، ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن، الذي يهدف إلى إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتَيْ الحج والعمرة على أكمل وجه، والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارتهم مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وعكس الصورة المشرفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن.
ولعلي هنا أتساءل: لماذا لم تبادر إدارة المطار بفتح صالة الحجاج، واستيعاب هذه الأعداد من المعتمرين الذين تأخرت رحلاتهم، بدلاً من تركهم يفترشون أرضية الصالة بهذا الشكل الذي لا يتماشي ولا يتواكب مع جهود ستة أعوام مضت، هي عمر رؤية 2030 التي أُطلقت في صيف 2016.
السعودية منذ إطلاق الرؤية وهي تتباهى بأن كل شيء فيها يسير في مساره الصحيح، وأن التطلعات والأهداف تتحقق خطوة خطوة، بأسلوب علمي، ودراسات تؤكد أن كل خطط الرؤية ناجحة، بشهادة المنظمات الدولية التي لا تعرف المجاملات.. فلا نريد بعد كل هذا الجهد أن نرجع إلى الوراء بمشاهد كالتي ظهرت في مطار الملك عبدالعزيز تخص ضيوف الرحمن الذين نفتخر بخدمتهم منذ اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم أرض السعودية إلى أن يعودوا إلى بلادهم سالمين غانمين.
أعيد بأن مشاهد الازدحام والافتراش في مطار الملك عبدالعزيز إذا ما تكررت فقد تفسد علينا ثمار الرؤية وتوجهاتها وتطلعاتها، وقد تعطي انطباعًا لدى آخرين من داخل السعودية أو خارجها بأن هناك سلبيات في الجهود المبذولة في إتمام مشاهد الرؤية؛ الأمر الذي يستوجب علينا البحث في الأسباب التي دعت إلى هذه المشاهد، والمسارعة في حلها بشكل جذري، مع توقيع العقوبات على الجهات التي يثبت تورُّطها في إظهار هذه المشكلة وتفعيلها.