عندما نفكر في استكشاف المريخ ربما تكون المسابير الجائلة التابعة لوكالة ناسا هي التي تتبادر إلى الذهن، فهي لعقودٍ من الزمان بهرتنا بمناظر بانورامية جميلة غيّرت فهمنا للكوكب الأحمر.
مع ذلك، فإن استكشاف المريخ لا يتعلق فقط بالمسابير الجائلة التي تتحرّك على سطح الكوكب، فمن دون المسابير المدارية التي تدعم العمليات السطحية وتوفر صورة شاملة للمريخ، فإن المعلومات التفصيلية من المسابير الجائلة ستكون ناقصة.
لذلك فإن مسبار الأمل الإماراتي يلبي الحاجة إلى فهم المريخ على أنه كوكب ذو غلاف جوي نشط ديناميكياً مليئاً بأنماط الطقس، والآن بعد عام واحد (حسب سنوات الأرض) من العمليات العلمية الناجحة، دعونا نراجع ما كشفته أول مهمة بين الكواكب تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة عن جارنا الصخري.
مسبار الأمل مركبة فضائية في مهمة لاستكشاف المريخ، وهو مصمّم ليكون أول قمر اصطناعي للطقس حول كوكب المريخ، هدفه تزويدنا بفهمٍ لديناميكيات الغلاف الجوي المعقدة بالنظر إلى أن الضغط الجوي عند مستوى سطح المريخ أقل من 1 % من ضغط الأرض.
بحلول نهاية مهمته الأساسية المقررة أن تستمر لمدة سنة مريخية واحدة (687 يوماً من أيام الأرض)، سيعطينا مسبار الأمل صورة كاملة للتغيرات اليومية والموسمية على المريخ، بما في ذلك درجة الحرارة ومحتوى الماء والعواصف الترابية والفقدان المستمر للغلاف الجوي.
إن هذه المعرفة التفصيلية عن الغلاف الجوي للمريخ ضرورية عند إرسال البشر إلى هناك في المستقبل القريب، حيث تعني الزيارة خلال المواسم الأكثر رطوبة أن المياه ستكون متاحة بسهولة أكبر ومن المحتمل أن يتم استخراجها بسهولة أكبر.
إن الخرائط الموسمية لمسبار الأمل يمكن أن تساعد على التخطيط لبعثات المريخ الأكثر أمانًا، حيث يتم تجنب محاولات الإطلاق أو الهبوط في أكثر المواسم غباراً ورياحاً.
إن وزن مسبار الأمل يبلغ بمتوسط 500 كجم (دون وقود) وهو بحجم سيارة كبيرة، يدور حول المريخ مرة كل 2.3 يوم في مدار إهليلجي، بحيث يقترب ويبتعد من سطح الكوكب ما بين 20,000 و43,000 كيلومتر، وهذا يسمح له بالحفاظ على رؤية شاملة للمريخ، ومثل معظم الأقمار الاصطناعية يعمل مسبار الأمل بوساطة الألواح الشمسية، ويتواصل مع العلماء باستخدام شبكة الفضاء السحيق التابعة لوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (ايسا)، وهي شبكة عالمية من التلسكوبات الراديوية.
يُوجد على متن مسبار الأمل ثلاث أجهزة علمية، مزيج من الكاميرات ومقاييس الطيف. إن كاميرا الاستكشاف الرقمية (EXI) هي عين مسبار الأمل، وهي بدقة 12 ميغابكسل مع بعض القدرة على الأشعة فوق البنفسجية لاكتشاف وقياس المياه الجليدية والأوزون في الغلاف الجوي السفلي للمريخ.
رغم ذلك، فإن المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء EMIRS والمقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية EMUS، هما اللذان يتحمّلان العبء الأكبر من العمل العلمي، حيث يجمع المقياس الطيفي EMIRS معلومات عن درجة الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية، بينما يقيس المقياس الطيفي EMUS الغازات المتسرّبة في طبقات الغلاف الجوي العليا.
تم الإعلان عن أول اكتشاف علمي مفاجئ لمسبار الأمل حول الشفق القطبي على المريخ في يونيو 2021، بعد أربعة أشهر فقط من وصوله إلى الكوكب الأحمر، قبل أن يبدأ بالفعل عملياته العلمية.
لقد كشفت صور الأشعة فوق البنفسجية بوساطة المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية EMUS عمّا يسمّى الشفق القطبي المنفصل عن المريخ بتفاصيل لا مثيل لها.
لا يمتلك المريخ مجالاً مغناطيسياً بحيط به على عكس الأرض، فحجمه الصغير يعني بأن الجزء الداخلي منه برد بسرعة أكبر، ودون وجود نواة خارجية سائلة تتحرّك حول النواة الداخلية الصلبة لإحداث تأثير دينامو، فقد المريخ مجاله المغناطيسي، ومع ذلك ، فإنه يحتوي على بعض بقايا هذا المجال المغناطيسي محتجزة في الصخور المعدنية الممغنطة المدفونة تحت السطح.
افترض العلماء أن المجال المغناطيسي غير المنتظم لقشرة المريخ من شأنه أن يدفع الجسيمات المشحونة (الإلكترونات) من الرياح الشمسية إلى الغلاف الجوي العلوي، حيث ستصطدم بجزيئات الأكسجين، وتطلق فوتونات الأشعة فوق البنفسجية على شكل شفق قطبي.
أعطت اللمحات النادرة للشفق القطبي المنفصل من وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا قوة لنظريات العلماء القائلة بأنها مرتبطة بهذه المجالات المغناطيسية غير المكتملة.
تتيح الرؤية الشاملة الجديدة عالية الدقة لمسبار الأمل للباحثين تتبع هذه الميزات الجيولوجية المغناطيسية بسهولة، مما يدعم هذه النظرية بشكل قاطع تقريبًا.
منذ ذلك الحين، واصل مسبار الأمل دراسة الشفق القطبي المنفصل للمريخ، معلنا في أبريل 2022 اكتشاف شفق قطبي منفصل متعرج لم يسبق له مثيل- شفق فوق بنفسجي ضخم يشبه الدودة يمتد حول الكوكب.
مسبار الأمل راقب الشفق المنفصل المتعرج أثناء عاصفة شمسية عندما كانت الإلكترونات الشمسية تغزو المريخ أكثر من المعتاد، لكن حجمها الهائل ترك علماء الكواكب في حيرة.
تقترح إحدى النظريات أنه بدلاً من مجرد الاتصال بالمجالات المغناطيسية في قشرة المريخ، فقد تكون مرتبطة بالذيل المغناطيسي للمريخ، الذي يتشكل بوساطة خطوط المجال المغناطيسي المحبوسة في الرياح الشمسية فوق الكوكب الأحمر.
يشير اكتشاف هذا النوع الجديد من الشفق القطبي إلى علاقات أكثر تعقيداً بكثير بين الشمس والمريخ، والتي قد تؤثر في ديناميكيات الغلاف الجوي، وبالتالي على طقس المريخ، بطرق غير متخيلة.
سيستمر علماء مسبار الأمل في مراقبة المريخ بحثاً عن مزيدٍ من مشاهد الشفق المنفصل المتعرج، والنظر إلى البيانات القديمة من وكالة ناسا، ووكالة الفضاء الأوروبية، لمحاولة فهم هذه الظواهر غير العادية بشكل أفضل.
قدّم مسبار الأمل نظرة استثنائية لعاصفة ترابية هائلة على المريخ في الفترة من ديسمبر 2021 إلى يناير 2022، بلغ قطرها نحو 2500 كيلومتر، ومرت فوق موقعَي المسباريْن الجائليْن إنسايت وبيرسيفيراتس التابعيْن لوكالة ناسا. في ذلك الوقت، كان المريخ قريباً من الاقتران الشمسي (قريب من الشمس من منظورنا)، لذلك كان من المستحيل رؤية الحدث من الأرض.
إن مدار مسبار الأمل المثالي وقدرته على رؤية كامل كوكب المريخ يجعله قادراً على تتبع العاصفة فترات طويلة، مما يعطي تفاصيل عن تطور العاصفة ونموها على الرغم من انتظار النتائج الكاملة.
لا يزال أمامنا عامٌ آخر ليُكمل مسبار الأمل جمع بيانات كافية للحصول على صورة كاملة للتغيرات الموسمية على المريخ، ومع ذلك ، فإن لمحات علمية حتى الآن تشير إلى أن أول مهمة بين الكواكب لدولة الإمارات العربية المتحدة ستحقق نجاحاً كبيراً.
إذا كان مسبار الأمل لا يزال يعمل بشكلٍ جيدٍ في نهاية مهمته المخطط لها، فستواصل دولة الإمارات عملياتها؛ ما سيتيح الفرصة لفحص التغيرات السنوية.
يوجد لدولة الإمارات مشروع مسبار ثاني طموح بين الكواكب بعد كوكب المريخ لم تتم تسميته رسمياً، بهدف المرور قرب كوكب الزهرة والتحليق قرب ستة كويكبات في حزام الكويكبات الرئيس، قبل أن يهبط على كويكب سابع في عام 2032.
#دائماً_راقب_السماء