ممنوع الاقتراب.. سلبي للغاية!

يترك كل الجمال في ذلك المشهد الطبيعي الرائع ويعلِّق على طنين الذبابة المزعج!

يطلع على شهادة ابنه فيتجاوز كل الدرجات الممتازة؛ ليعلِّق على تلك المادة الناقصة!

ينظر لتلك السفرة العامرة ويتذمر لعدم احتواء السلطة على البصل الأخضر الذي يحب!

يحضر مناسبة مبهجة مليئة بالأحداث السارة والحوارات والأشخاص اللطفاء، وتقف ذاكرته عند زحمة الطريق وفظاظة رجل أمن قاعة تلك المناسبة!

يتجاهل مساعدة ابنه لأخته الصغيرة، وصلاته التي أداها في وقتها، ومديح أستاذه له؛ ليعلِّق فقط على رداءة خطه!

يواتيك في صباحك المزهو بالتفاؤل، وأنت تحمل كوب قهوتك؛ لتباشر عملك بكل نشاط؛ ليبدأ بالتشكي من سوء نومته الليلة البارحة، وارتفاع ضغطه وألم رقبته، وقائمة يومية متجددة من المنغصات التي يبرع في اصطيادها، ولم يكتفِ بالاحتفاظ بها في نفسه، بل إنه يبث سمومها على كل من يقابله في مناسبة وبدون مناسبة؛ ليبث تلك الأنفاس السلبية المعكرة لصفوهم!

يتعرض لمعاملة سيئة من شخص في مكان ما، في زمن ما، فلا تغادر ذاكرته وشعوره ذلك الموقف، ويعيش في دوامته للأبد متأسيًا على حاله متأففًا ومتذمرًا.

تعرَّضت لموقف من أخت زوجها قبل ثلاثين عامًا وما زالت تتذكر وتسترجع السيناريو مرارًا وتكرارًا، وكأنها قد ألفت تلك المناجاة مع ذاتها وسرد تلك الديباجة المملة.

يعتقد أنه دائمًا "مستقصد" ممن حوله، وتعتقد أنها دائمًا "مستقصدة" من أهل زوجها، ويعتقد أنه المنحوس في عمله، وتبدأ نظرية المؤامرة تلك بجر أخواتها من الظنون الأسوأ، والتوقعات الأفظع؛ فينتهي به الحال متأهبًا حاضر الذهن بكل ما هو سلبي!

أعتقد هنا أن عقل هذا النوع من البشر هو من توقَّف عند مشهد واحد سلبي، وأصبح يعمم بتفكيره على تلك المشاهد اليومية بنفس النظرة القاصرة تلك، بل يضخمها كذلك؛ وهنا تتكالب عليه الظروف القاسية، ويصبح مزاجه العكر طبعًا يلازمه وهو لا يشعر!

وتلك هي أحد أخطاء التفكير الجسيمة التي تؤدي بصاحبها نحو مهالك القلق والاكتئاب، إن لم تصاحبها صحوة تصحح ذلك المسار الفكري المشوه!

وعندما يتم تذكير مثل هؤلاء بالنعم التي بين أيديهم يتمتمون:

" صح صح، الحمد لله على نعمته".

ولكن هل تتوارى خلف تلك العبارات نية صادقة ومشاعر حقيقية بالامتنان لله وفضله؟

أم هي جُمل اعتاد أن يقولها ذلك المتحلطم عندما يُذكَّر بنِعم الله عليه؟

أيُعقل أن تكون أذهانهم فرغت من تذكُّر النعم واستشعارها والامتلاء بها قلبًا وإدراكًا ولسانًا؟

عزيزي القارئ..

أيقظ أزاهير الفرح في نفسك..

استرجع أجمل المشاهد..

استحضر أفضل اللقاءات..

تذكر أطيب العبارات التي قيلت لك..

لا تحتفظ في أرشيفك إلا بالجميل..

فذاكرتك ستملي عليك الاستمرار في الخط نفسه، فإن احتفظت بالسيئ سيدور فكرك في هذا الفلك، وتتوالد أفكارك في الاتجاه نفسه..

أوقف الفكرة قبل أن تسترسل في المسار الخاطئ؛ فتغيِّر شعورك وسلوكك نحو السلبية القاحلة؛ فتضر نفسك أولاً، وتتعب من حولك ثانيًا، وتجعل من نفسك الشخص الذي يتحاشون الجلوس معه.

لا تخلو حياتنا من مواقف مكدرة، وأحداث مؤلمة، وظروف قاهرة، ولكن السلبي من تتوقف آلة الزمن لديه في تلك اللحظات فلا يغادرها بسهولة، ويستمتع باجترار الأسى!

أما المتفائل والإيجابي فيتضايق قليلاً أو كثيرًا أحيانًا، ثم يمضي مصغرًا ذلك الألم في عينه ونفسه.

ثم يقفل تلك الصفحة، ويمضي قُدمًا ولسان حاله يقول "هوِّنها وتهون".. متسائلاً: كيف أتفادى ذلك مستقبلاً؟ كيف أخرج بأقل الخسائر؟ وما الذي بيدي الآن لفعله؟

أما صديقنا صاحب العقل السلبي فهو يفتش عن الصفحات المؤلمة والمواقف المزعجة، يُقلِّبها يوميًّا، يتذكرها، ويتلوها على الملأ في تغريداته، ومُعرِّفه الشخصي، وحديثه اليومي؛ فيحيط نفسه بكل ما يذكره بتلك الأحداث السلبية.. فكيف عساها ترحل وهو متشبث بها أيما تشبث؟!

فتفسد عليه اللحظة بسبب أفقه الضيق، ولا يدرك ما حوله من نعم تتوالى.

احذر أن تقع في فخ التفكير السلبي، وراجع أفكارك ومواقفك، وحديثك اليومي مع نفسك، فقد يسيطر عليك وأنت لا تشعر.

غيِّر نظرتك للأشخاص؛ فقد تكون مخطئًا في تصورك عنهم. غيِّر أسلوب تعاملك حتى توقظ الحسن فيهم. فتش عن الجميل فيمن حولك.. اذكر النعم، وتذاكر الحسنات، فتتكاثر من حولك الأفكار المزهرة، ويغدو واقعك مبهجًا وهو لم يتغير، ولكن نظرتك هي من تغيرت!

إن في البشر من يفوح انتعاشًا وتفاؤلاً رغم ظروف صعبة ألمَّت به، كمرض قاهر متعلق، وابن عاق متملق، أو مدير قاسٍ متسلط، لكنه رغم هذا وذاك يبحث عن الجميل ليضحك، ويرضى فيرضيه رب العالمين؛ ويحلق!

صدق رسول الله ﷺ:

" من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

ختامًا..

إذا راجعت نفسك عزيزي القارئ، وجردت مواقفك وأفكارك الداخلية، وتأكدت بأنك معافى من ذلك الداء، فاحمد الله على ذلك، ولكن احذر أن تقع في فخه..

وإن كان في محيطك من ابتُلي بذلك صارحهم بأدب، نبههم، وضع حدًّا لشكواهم التي لا تنتهي، ولا تكن ضحية لهم فينتهزوا طيبتك وتعاطفك بالمزيد من السلبية الخانقة؛ فيستهلكوا طاقتك، ويعكروا صفوك..ولا أعني هنا تجردك من التعاطف، وإنما أنبهك من منحه لمن لا يستحق.

فإن لم تستطع تغييرهم والتأثير عليهم، أو إسداء نصيحة متقنة لهم، فاحمِ نفسك منهم على أقل تقدير.

ولو كنت قد انجرفت بلا وعي منك في هذا المنزلق فلا بأس لعل قراءة المقال هي ما تحتاج لتتيقظ وتتراجع، أو تبحث عن المساعدة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org