يتابع العالم بقلق شديد الضخ الإخباري عن مرضي "جدري القردة"، و"أنفلونزا الطماطم"، والخوف من إمكانية أن تنتهي الأمور إلى كابوس يشبه كابوس جائحة كوفيد19 الذي خيم على العالم لما يزيد عن العامين، ولا زالت البشرية تعاني من تبعاته النفسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية.
ولعل ما يزيد من هواجس الكثيرين حيال "جدري القردة" أن الكثير من حقائقها الرئيسية، تتشابه مع تلك الخاصة بـ"كورونا"، فالفيروس المسبب له حيواني المنشأ، وهو أيضاً ليس له علاج أو لقاح خاص لمكافحته حتى الآن، تمامًا كما كان الحال مع كورونا في مهدها، إضافة إلى أنه مرض معدٍ، والأهم من كل ذلك أن التناول الإعلامي تتبع نسخة مكررة عن خطة التعاطي مع "كورونا"، فهي تحمل الكثير من المعلومات المربكة التي تُطمِّن وتبدد المخاوف وتثير القلق في ذات الوقت.
أما المرض الآخر "أنفلونزا أوحمى الطماطم "Tomato fever"، فقد ظهر في ولاية كيرلا في الهند، وسجلت نحو 80 حالة، وهو يصيب بشكل رئيسي الأطفال، ولا زال المرض محاطاً بغلالة سميكة من الغموض، وحتى اسمه أطلق عليه لمجرد أن الطفح الذي ينتج عنه يشابه الطماطم، وما إنفك الجدل حول أسباب الإصابة به محتدماً بين فريق يقول إنه فيروس جديد، وآخر يرجح أن المرض أحد مضاعفات مرض الشيكونغونيا أو حمى الضنك.
ويبدو ارتفاع مؤشر القلق والمخاوف من ظهور أمراض فيروسية جديدة طبيعياً، بعد التجربة المريرة التي عاشتها الإنسانية برمتها مع فيروس كوفيد 19، الذي أودى بحياة ما يتراوح بين "13 إلى 16" مليون شخص حول العالم حسب منظمة الصحة العالمية، في الفترة ما بين بداية 2020 ونهاية 2021، وألقى بظلاله السالبة على كل أنشطة ونمط حياة الناس التي شلت بالكثير من قيود الاحترازات والتحوطات، وما يزيد من حدة تلك المخاوف هو أن الكثير من الدول حتى المصنفة ضمن ما يسمى بالعالم الأول، فشلت في امتحان جائحة كورونا، لهشاشة نظامها الصحي، أو لقرارات جانبها التوفيق، أو لأسباب أخرى كضعف الاقتصاد وعدم الشفافية وغيرها.
أما في المملكة فإننى كمتابع لصيق للشأن الصحي لا أرى داعياً للقلق "المبالغ فيه" من هذه الأمراض الجديدة، لكني أرى أيضاً من "الخطأ" الاستهانة بهذه الأوبئة والتهاون في تطبيق الإرشادات والتوجيهات الصحية.
السعودية ولله الحمد أبلت بلاءً حسناً، في مواجهة فيروس كورونا، وحصدت المركز الأول عالميًا كأفضل حكومة استجابت للجائحة، وفقاً لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال، الذي صدر بالتعاون مع كلية الأمير محمد بن سلمان للأعمال وريادة الأعمال ومركز بابسون العالمي، في إنجاز نفخر ونعتز به نحن المنتمون لهذه الأرض الطاهرة المباركة، وقد استحقت المملكة هذا الشهادة باستجابتها القوية والمدهشة لهذه الجائحة، فقد استشعرت - القيادة أيدها الله - بحكمتها ورشدها خطورة الجائحة، واتخذت حزمة من الإجــراءات الاحترازيــة والتدابيــر الوقائيــة، وذلك قبل تسجيل أول حالة إصابة في البلاد، ومن أهم تلك الإجراءات تشكيل اللجنة العليا الخاصــة باتخــاذ كافــة الإجــراءات الاحترازيــة، والتدابيــر اللازمــة لمنــع انتشــار الجائحــة، حيث قامت هذه اللجنة بعمل كبير وجبار، وتعاطت بصورة اتسمت بالاحترافية والحسم مع الجائحة، واتخذت الكثير من الإجراءات السريعة والعاجلة، وقد ساهمت تلك الإجراءات بصورة كبيرة في الحد من انتشار الجائحة.
المعركة الحامية التي استمرت لقرابة العامين مع جائحة كورونا أكدت أن المملكة تمتلك المقومات الحقيقية للدولة القوية المتطورة والمتعاطية مع الأحداث بأهمية بالغة، وأهم هذه المقومات، التلاحم الفريد بين الحكومة والشعب وتكامل جهديهما للخروج من هذه الجائحة، بالإضافة إلى القدرات الكبيرة التي بينتها المملكة في إدارة الأزمة والسرعة في اتخاذ القرارات، وأظهرت آليات التعامل مع كورونا مرونة عالية وقدرات رفيعة في التعاون والتنسيق، والسيطرة، كما أكد نظام الرعاية الصحية في المملكة أنه من أفضل الأنظمة وبقدر من القوة والمرونة التي تمكنه من الصمود في وجه أعتى الأعاصير الصحية.
وبهذا فإنني أؤكد أن المملكة قادرة بإذن الله على حماية المواطنين والمقيمين من كافة الأوبئة والأمراض ، لكن ذلك لا يعني أن نتخلى عن مسؤولياتنا والالتزام بالتوجيهات والإرشادات الصحية الصادرة من وزارة الصحة، إذ إن الأمن الصحي مسؤولية الجميع.