الحديث عن التعليم ذو شجون؛ لأنه عصب التطور، ومكمن الأمن، وكنز الوطن، وذخر المستقبل.. مَن لامس احتياجاته وصل للمستقبل بأقصر الطرق، ومَن عالج مشاكله أتم الطريق.
الدولة -رعاها الله - تبذل المليارات لتطوير البنى التحتية للتعليم من بناء المعلِّم، وتوفير المباني للمدرسية وتجهيزاتها بتقنياتها والكتب وغيرها؛ لتقوم المدرسة بدورها ببناء الإنسان، بدءًا من المعلم بأن يُوفَّر له أفضل بيئة ومكانة؛ فقد كانت وظيفته مهنته ومحل إبداعه، ومكمن تقديره واحترامه، وكان حضوره محاطًا بالهيبة والإجلال بصفته منبع المعرفة الأساس، ونموذج القدوة.. لكن رياح الزمن والتغيير عصفت بمكانته ومكانه بالتطور السريع، وأصبحت المعرفة لها مصادر متعددة في تقنياتها ومنابعها وطرائق الوصول لها؛ فهُدمت أسوار المدرسة بأن اخترقت المعرفة عقول الطلاب في أي مكان وحال.
عبارة "لن أسمح للمدرسة بأن توقفني عن التعلم!" عبارة تدل على استدامة التعلم، وممارسته في كل مراحل العمر، سواء التعليم النظامي أو غير النظامي؛ فالإنسان من سجيته وطبعه التعلم المستمر.
اليوم هُدمت أسوار المدرسة وفصولها حين انفك احتكارها للمعرفة، وتمهير الطالب؛ فلم تبقَ وحيدة القناة، واتجه دورها الأساس لتوزيع مفاتيح العلوم على المتعلمين، والإشراف على تعلمهم لصغر سنهم، واتجهت لأسلوب الجامعات في التدريس، وكذا تهيئ للتعلم الذاتي، وللتطبيق والممارسة الحياتية؛ ما يعني الشراكة الفعلية بين مؤسسات المجتمع في بناء المعرفة والتمهير والتدريب على مهارات الحياة.
يقف اليوم أبناؤنا وبناتنا من الدراسة بعد فصول دراسية مفاجئة من آثار جائحة كورونا المستجد١٩ التي عصفت بالعالم في جميع مجالاته؛ إذ خرجت المجتمعات من تلك الجائحة وقد تلقت دروسًا عدة، منها تجربة الدراسة عن بعد، التي نجحت فيها بحق وزارة التعليم بدعم من القيادة الرشيدة –أعزها الله- باستمرارية الدراسة وعدم توقفها. وهذه الأزمة أثرت في النظرة والتطبيق للتعلم التقليدي بين أسوار المدرسة وقادته لمرحلة جديدة تحولية للتعلم الإلكتروني أو التفاعلي عن بعد.
إن المعلم والمدرسة اليوم يزاحمهما وقد يزحزحهما التعلم بوسائل التقنية المتوافرة والمتيسرة؛ فيمكن للباحث عن المعرفة الوصول لها بدقة وسرعة، وبخيارات عدة، وهو بين أسرته. واليوم نحن جميعًا مطالبون بالتهيئة التعليمية لأبنائنا وبناتنا بفتح قنوات التعلم مدى الحياة، التي وجّه بها سمو ولي العهد –حفظه الله- لتجويد الحياة، ولبناء الإنسان السعودي. ويعود الدور هنا للمدرسة والأسرة بالرقابة والإشراف الممنهج؛ ليستمر التعلم بلا توقف، وبدون نمذجة زمنية، تجعل الطالب يبرمج عقله وذهنه على أن التعلم وقت الإجازة خطأ.
ومن التعليم المتغير اليوم المزاحم والمنافس لمعلم المدرسة معلمو البيوت -أقصد المعلم الخصوصي- سواء كانت الأم أو الأب أو القريب أو المتعاقَد معه؛ إذ يختصر الوقت في تعليم الطالب منهجه الدراسي المقرر داخل بيت أسرته، وفي وقت وجيز، يسبق أسابيع الدراسة في المدرسة، بدون تلك التجهيزات والمباني المكلفة.
وهل شعار "العلم لمن أراد التعلم" كما في بعض الدول الأوروبية صحيح؟ وهل يصبح إلزامية التعليم بالحصول على الحد الأدنى من المعرفة والنصيب الأكبر من المهارات؟ وهل تبقى المدرسة داخل أسوارها تحتكر العلم والمعرفة؟
أتصور مع استشراف التقدم السريع سيمتد التعلم والتعليم بلا حدود ولا قيود؟