هل نهاية المعروف قضية..؟!!

قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}. هذه قاعدة ربانية جعلها الله أُسًّا من أسس التعامل في هذه الحياة بين البشر؛ لذلك تنافس الناس في الإحسان لبعضهم، وتقديم الخدمة لبعضهم، ولكن الناس ليسوا سواء في ذلك؛ فقد يشذ بعضهم عن هذه القاعدة فيقابل الإحسان بالإساءة..!!

يروي لي أحد الثقات أنه يعرف شخصًا كريمًا معطاء، باذلاً للخير، محبًّا له، ديدنه فعل الخير، وإقراض الناس قروضًا حسنة، وتفريج كربهم ممتثلاً بذلك قول الله -عز وجل-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ..".

فقد كان سببًا -بعد الله عز وجل- في قضاء حوائج الكثير من الناس، وتفريج كربهم، وامتلاك بعضهم منزلاً، أو سيارة، أو سد احتياج، أو قضاء دين، أو زواج، أو... إلخ؛ فلم يقصده أحد في طلب المال قَلَّ أو كَثُر إلا وأخذ حاجته.. بل إنه أحيانًا يقترض من آخر لتفريج كربة مَن قصده..!!

ومرت السنون وهو على هذه الحال -جزاه الله الجنة ووالديه- فهو يبذل دون المطالبة بإعادة هذا الدَّين على الرغم من مروره في بعض الأحيان بضائقات مالية؛ تضطره إلى الاقتراض أحيانًا..!! فيقترض وهو صابر محتسب دون أن يطالب الذين أقرضهم خشية إحراجهم أو تكدير صفوهم..!! وهم متناسون، ومتجاهلون ما يمر به من ظروف على الرغم من علمهم التام بها..!!

ولكن الحياة لا تصفو دومًا، والإنسان عرضة لتقلباتها، وتكديرها لصفوه، وقسوتها، وتكشير أنيابها..!! وهذا ما حدث لهذا الرجل الكريم؛ فقد كشرت له عن أنيابها، وكدرت صفو معيشته؛ فاحتاج لمبالغ كبيرة، حاول جاهدًا أن يتدبر أمرها، ويوفرها دون أن يطالب مَن أقرضهم قبل عشرات السنين..!! نعم عشرات السنين..!! هل تصدقون أن بعض هذه القروض منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا..؟!!!!!

فمع هذه الظروف القاسية جدًّا.. جدًّا.. جدًّا التي يمر بها بدأ بمطالبة أصحاب عشرات السنين.. فماذا حدث؟ كلنا نتوقع أنهم بادروا مباشرة بسداد هذه الديون التي مضى على بعضها ربع قرن..!! وبعضها أقل من ذلك بقليل..!! لأن هذا الأصل، وهذا المفروض، وهذا المنطق، وهذا -قبل ذلك كله- ما أمر به ديننا الحنيف.. ولكن -للأسف الشديد- هذا لم يحدث من أي أحد منهم على الرغم من تجاوزهم عشرة أشخاص..!! فهل يُعقل هذا..؟!! أو يُصدق..؟!! نعم.. نعم.. فبعضهم لم يرد على رسائله أو اتصالاته..!! وبعضهم يقول: لا يوجد لي ما أعطيك..!! وبعضهم زاد الطين بلة فأخذ يعده، ويماطل..!!

والسؤال هنا: ماذا لو أن هؤلاء قسَّطوا هذه المبالغ أقساطًا شهرية؟ أمَا يستطيعون سدادها..؟!! بالذات أن الأمر سيكون هينًا عليهم.. فلو حسبناها بحسبة بسيطة عشرات السنين يعني مئات الأشهر..!! فلو دفع في الشهر مئة ريال لسداد هذا الدين منذ زمن.. فهل يعقل أن الشخص لا يستطيع سداد مئة ريال في الشهر..؟!! مستحيل.

وإلى لحظة كتابة هذا المقال بقي الوضع على ما هو عليه؛ فالرجل ما زال يمر بضائقة مالية.. وكل الذين أقرضهم هم أحسن منه حالاً الآن..!! فماذا ينتظر هؤلاء..؟!! ألا يخشون أن ينطبق عليهم قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ..".

وما زال الرجل يعيش بين نارين..!! وبين مطرقة الحياء، وسندان الحاجة..!! ولم يردعه عن الشكوى سوى الحياء ومخافة قطع سبيل المعروف..!! فهل سيصمد أم إنهم سيضطرونه للقضايا والمحاكم..؟!! ويكون نهاية المعروف قضية..!! هذا ما ستبديه لنا الأيام.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org