لم تكد الدولة تسمح للمواطنين بالسفر إلى الخارج بعد فترة طويلة حتى امتلأت المطارات في كثير من مناطق السعودية بالمسافرين، إضافة إلى مغادرة أعداد هائلة إلى البحرين عبر جسر الملك فهد؛ وهو ما يشير بوضوح إلى أن الكثيرين ما زالوا يتمسكون بقضاء الإجازات خارج السعودية، رغم حِزَم التحفيز الضخمة التي قدَّمتها السلطات المختصة للمواطنين لقضاء عطلاتهم داخل الوطن.
وحظيت مصر والبحرين بنصيب الأسد من السياح السعوديين، لكن تواترت الأنباء خلال الأيام الماضية باضطرار السلطات في القاهرة والمنامة إلى إغلاق جميع مراكز التسوق والمطاعم والمقاهي والحدائق والمتنزهات ودور السينما في إطار جهودهما للحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد – 19)، إضافة إلى إغلاق المنتجعات الصحية ومنع إقامة الحفلات والمناسبات والمؤتمرات خلال هذه الفترة.
هذه القرارات المفاجئة دفعت الكثيرين ممن كانوا يخططون إلى السفر إلى البلدين لإلغاء حجوزاتهم الفندقية بعد أن تبخرت أحلامهم في السفر؛ لأنهم سيجدون أنفسهم بلا برامج سياحية، ودون قدرة حقيقية على التحرك والاستمتاع بالعطلة؛ ما سبَّب ربكة كبيرة وسط العائلات.
وأرى أن هذه فرصة حقيقية لأولئك الذين أدمنوا السفر إلى الخارج سنويًّا لمراجعة أنفسهم، ومحاولة تجريب السياحة الداخلية؛ فالمخاطر التي تحدق بالمسافرين كبيرة، وتحيط بهم من كل جانب؛ فإضافة إلى ارتفاع مخاطر الإصابة بالمرض الفتاك، وسلالاته المتعددة التي نسمع يوميًّا بتزايدها وتناسلها، فإنه لا ينبغي تجاهل المخاطر الأمنية في العديد من الدول المحيطة بنا، وافتقادها الأمن والأمان.
الكثير ما زالوا في تلك الدول ينظرون إلى المواطن السعودي على أنه "صيد ثمين"، ويتربصون به، ويتحينون الفرص للاعتداء عليه بغرض السلب والنهب.. ونطالع بكل حسرة في وسائل الإعلام المختلفة أنباء متكررة عن حوادث مميتة، راح ضحيتها مواطنون أبرياء، فقدوا أرواحهم نتيجة للطمع والجشع في نفوس الآخرين.
ومما يحز في النفس أن كثيرًا من المواطنين ما زالوا يحملون صورة ذهنية سالبة وخاطئة عن السياحة في بلادهم، وينفرون حتى من مجرد التفكير فيها، رغم الجهود المضنية التي تبذلها وزارة السياحة، والتركيز الواضح من الدولة على الاستثمار في القطاع السياحي، والمشاريع المتعددة الضخمة التي يجري العمل فيها، وشارفت على الانتهاء، مثل مدن نيوم والبحر الأحمر والقدية وأمالا، إضافة إلى التطوير المذهل الذي حظيت به مدن العلا والدرعية للدرجة التي أصبحت مركز جذب سياحي لأعداد كبيرة من السياح من خارج السعودية.
مع التقدير التام لتلك الجهود وغيرها إلا أن شكاوى المواطنين ما زالت تتكرر بارتفاع أسعار الوحدات السكنية ومرافق الإيواء السياحي التي تضاعفت مرات عدة خلال الفترة الحالية، وفاقت أسعار نظيراتها في دول العالم المختلفة؛ وهو ما يتسبَّب في عزوف الكثيرين عن السياحة الداخلية، وتفضيلهم السفر إلى الخارج؛ وهو ما يهدد بإجهاض الجهود الحكومية كافة لإقناع المواطنين بالبقاء في وطنهم، وجذب السياح من الخارج؛ لذلك لا بد لوزارة السياحة من إيجاد حلول حاسمة لهذه المعضلة التي تتكرر سنويًّا، وذلك عبر تحديد أسعار ملزمة خلال الموسم، وتكثيف الجولات الرقابية على الفنادق والشقق المفروشة ومرافق الإيواء السياحي كافة، وتعيين أعداد إضافية من المفتشين، وإيقاع عقوبات مشددة بحق المؤسسات التي تخالف الأسعار والتعليمات.
هذه البلاد، بما فيها من تنوُّع بيئي جاذب، وبنية تحتية متكاملة، وصحارى ذهبية، وسواحل رائعة، وغطاء نباتي ساحر، وقبل ذلك بأمن وأمان على مدار العام، أحق بأن تضم أبناءها، وأن تحتفظ بهم خلال العطلات، وأن توفّر لهم أجواء متميزة من الاسترخاء والاستجمام، وأن تستقطب السائحين من الدول المجاورة؛ ومن شأن ذلك أن يوفر عشرات المليارات التي ننفقها سنويًّا في دول العالم المختلفة، بما يجدد الحياة في شرايين الحركة التجارية، ويساعد على إنعاش الاقتصاد كله.