"يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويذيقك من مر الخصال فعالًا".. هذا ما ينطبق تمامًا على "أردوغان" ونظامه بل وتركيا الدولة في التعامل مع القضية الفلسطينية؛ فبينما لا تكف تركيا عن تنصيب نفسها مدافعًا عن القدس، لا تجد لها باعًا في تحمل أعباء فلسطين وأبنائها على أرض الواقع، وهو التناقض الذي يمتد بنقد واستهجان إقامة دول خليجية لعلاقات مع إسرائيل ودعم أخرى؛ بينما تقيم أنقرة علاقاتها مع تل أبيب بعد عام واحد من قيام إسرائيل.
تخبط وازدواجية منقطعة النظير في السياسة التركية لا يكل ولا يمل منها النظام التركي، متناسيًا أن علَم تركيا يرفرف فوق سفارة أنقرة داخل تل أبيب منذ عام 1949م، وهو في ذلك سبّاق في إعلان اعترافه بإسرائيل؛ بل وسبّاق في إقامة علاقات اقتصادية واجتماعية نافذة مع تل أبيب.
فما إن تم الإعلان عن اتفاقيات إقامة العلاقات بين دول خليجية وإسرائيل؛ سارع النظام التركي إلى مهاجمتها ملوحًا بقطع العلاقات مثل ما فعل مع أبو ظبي؛ بل هدد بسحب سفير بلاده من الإمارات وعلى النقيض نجده مع المغرب يصرّح عبر وزير خارجيته قائلًا في اتصال هاتفي مع نظيره المغربي: "كل بلد لديه حرية في إقامة العلاقات مع أي بلد يريده".
حجم الازدواجية التركية ظهر جليًّا مؤخرًا مع إعلان دول خليجية وعربية، عن إقامة علاقات مع إسرائيل؛ لنجد شعار القضية الفلسطينية يحل وهو المتخلي عنها والمتاجر بها؛ ثم يهلل بإقامة دول علاقات مع إسرائيل ويتناسى دولًا أخرى عن عمد.
لا ينظر "أردوغان" قبل أن يتحدث، ولا يرى ولا يتوقف عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية، وكل يوم يظهر حجم التناقضات الفجة في السياسة التركية الحالية فيما يتعلق بإقامة العلاقات مع إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، وكل البيانات الرسمية تشير إلى أن القول غير الفعل.
فوفق ما نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، زَعَم وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في اتصال مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، على أهمية ألا تكوّن إقامة المغرب علاقات مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية؛ حيث ذكرت مصادر دبلوماسية تركية، الخميس الماضي، أن تشاووش أوغلو أجرى مكالمة هاتفية مع "بوريطة"، بعد ساعات على إعلان الرباط استئناف العلاقات مع إسرائيل؛ لتصبح بذلك سادس دولة عربية تقيم علاقات مع تل أبيب.
وفي الوقت الذي هاجم فيه "أردوغان" ونظامه والذباب الإلكتروني التابع لجماعة الإخوان وأذرعهم الإعلامية دول الخليج؛ تناسى أن بلاده كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وبدأت علاقات رسمية معها عام 1949؛ فهي كانت -ولا تزال- الحليف القوي لتل أبيب وصاحبة العلاقات التجارية والاقتصادية معها.
وتُظهر دومًا متاجرة تركيا بالقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية؛ سعيًا وراء اكتساب مكانة زائفة، لم تقدم في الواقع ما يبرهن على ذلك؛ بينما سعى "أردوغان" منذ توليه الحكم لتعميق العلاقات مع إسرائيل؛ لينتقل بها إلى مرحلة العلاقة "الاستراتيجية".
فعلى الصعيد العسكري، تُعد تركيا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة التي تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، وتربط أنقرة بتل أبيب اتفاقيات بدأت بتحديث (F-4) فانتوم وطائرات (F-5) بتكلفة 900 مليون دولار، مرورًا بترقية إسرائيل 170 من دبابات M60A1 لتركيا، مقابل 500 مليون دولار، وصولًا للاتفاق الذي يقضي بتبادل الطيارين العسكريين بين البلدين 8 مرات في السنة.
وتجاريًّا، تعتبر إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، بحجم تبادل تجاري وصل إلى 6 مليارات دولار في 2019.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون والأتراك إنهم يطمحون لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 10 مليارات دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة.
وبرغم كل الأموال التي ينفقها النظام التركي على الترويج الإعلامي لخلق فكرة وهمية أنه يدعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين أكثر من غيره؛ يأتي تقرير صادر عن "الأونروا" ليسقط كل الأقنعة، فمن بين أهم 20 داعمًا ومتبرعًا للشعب الفلسطيني؛ لا يظهر اسم تركيا ولا قطر ولا إيران على الإطلاق.
على النقيض، فدول الخليج داعم دائم لحقوق الشعب الفلسطيني في استعادة حريته وإنهاء الاحتلال لأرضه، وهي كذلك تدعم صموده من خلال المساعدات المالية والإنسانية.