يوميات توحيد المملكة .. حامية المدينة تسلمها لجيش "المؤسِّس" رغماً عن حاكم الحجاز

تيقنت أن لا فائدة من إطالة القول مع "الشريف"
يوميات توحيد المملكة .. حامية المدينة تسلمها لجيش "المؤسِّس" رغماً عن حاكم الحجاز

في عددها الخمسين الصادر يوم الجمعة 11 ديسمبر 1925، نشرت صحيفة "أم القرى" خبراً مقتضباً دون تفاصيل، قالت فيه: "جاءنا عن طريق جدة أنه وصلت إليها برقية من شرق الأردن تخبر بأن المدينة المنوّرة سلمت للجيش المرابط حولها بسلام وذلك يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع"، والجيش المشار إليه في الخبر هو جيش الملك عبدالعزيز بقيادة نجله الأمير محمد، أما يوم الثلاثاء فكان اليوم الثامن من شهر ديسمبر.

وبعد طباعة العدد توافرت لـ"أم القرى" معلومات جديدة أكثر دقة؛ ولأهمية حدث تسليم المدينة المنوّرة قررت الصحيفة نشر ما توافر لها من معلومات في ملحق خاص وُزع مع الصحيفة وجاء بثلاثة عناوين"نصر من الله وفتح قريب/ تسليم المدينة المنوّرة/ بيد سمو الأمير محمد نجل عظمة السلطان قائد الجيش المحاصِر"، وأظهرت تفاصيل الخبر أن المدينة سلمت يوم السبت الموافق 5 ديسمبر وليس الثلاثاء.

وذكر الخبر في متنه أنه "في صباح السبت 19 جمادى الأولى 1344هـ سلمت المدينة المنوّرة، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام، تسليماً تاماً بجميع قلاعها وحصونها وما تحتويه من أسلحة وعِدد دون قيد أو شرط. وقد دخلها الجيش بقيادة سمو الأمير المنصور، واستولى على جميع الأماكن والقشل، أمّن سموه جميع السكان على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فاستبشر الأهلون بانفراج الأزمة وزوال الغمة وعادوا إلى مزاولة أعمالهم في هدوء وسكينة، وبسطت الأسواق وبشت الوجوه، وأمر سمو الأمير المعظم بتوزيع الصدقات على الفقراء والمستحقين وهكذا انتهت المأساة بظهور الحق على الباطل وبانتصار العدل على الظلم الذي كان يرزح تحت عبئه سكان البلاد المقدّسة. وإنا لنشكر المولى -عزّ وجلّ- على هذا الفتح المبين والنصر العظيم، وما النصر إلا من عند الله، (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)".

وتزامن نشر الخبر الذي يوثّق ليوم من أهم أيام توحيد المملكة مع حصار جيش الملك عبدالعزيز لمدينة جدة لإجبار ملك الحجاز علي بن الحسين؛ على التنازل عن حكم الحجاز دون إراقة دماء وإزهاق أرواح، فضاعف من رفع معنويات الجنود المرابطين على تخوم جدة، التي سلمت إلى الملك عبدالعزيز، بعد ستة أيام فقط من وصولهم للخبر في 17 ديسمبر.

وتوسعت "أم القرى" في عددها التالي الصادر يوم الجمعة 18 ديسمبر في نشر تفاصيل حدث تسليم المدينة المنوّرة، ومن بين ما نشرته برقيات متبادلة بين الملك علي بن الحسين ووكليه في المدينة قُبيل تسليمها إلى جانب نشر واقعة التسليم نفسها.

وفي جزءٍ من تغطيتها الموسعة عن تسليم المدينة وتحت عنوان "دور التسليم" ذكرت "أم القرى"، أنه "لما تيقن رجال حامية المدنية أن لا فائدة من إطالة القول مع الشريف علي، وقد بلغ منهم الضيق مبلغه قرروا التسليم فبعث قائد المدينة عبدالمجيد، وعزت مدير الخط كتاباً إلى سمو الأمير محمد، يطلبان ملاقاته وأنهما سيخرجان الساعة الرابعة من صباح الجمعة في 18 جُمادي الأولى من المدينة ويطلبان مَن يستقبلهما.

فأجاب سمو الأمير طلبهما وأرسل إليهما خيّالة استقبلتهما ولما حضرا بين يدي سمو الأمير فاوضاه في التسليم على شرط إعطاء الأمان لجميع الجنود والضباط والأهلين وإعلان عفو عام عما مضى، وأنهم مقابل ذلك يسلمون المدينة وما فيها.

وفي صباح السبت، دخل الأمير ناصر بن سعود، وعبدالله الفضل، وعزت مدير الخط، إلى المدينة مع فريق من الجنود فتسلموا قلعة سلع وما فيها من ذخائر وعتاد ووضعوا فيها قوة عسكرية ثم مروا بجميع المراكز العسكرية والحكومية الملكية للحكومة فتسلموها ووضعوا في كل منها قوة من الجيش النجدي، ولم يأت مساء السبت حتى كان جندنا قد انتهى من تسلم كل شيء في البلدة وأمّن الناس أجمعين.

وفي صباح الأحد، تحرك ركاب سمو الأمير بجنود وراياته قاصداً المدينة فوصل دائرة البرق حيث توضأ ثم سار توا إلى مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فصلى فيه ثم أتى قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسلم ثم رجع، فأمر بمواساة الأهلين واستحضر من رابغ ثلاثة آلاف كيس دقيق وأرز لتوزع على الأهلين".

ومما يلاحظ فيما أوردته "أم القرى"، أن قرار تسليم المدينة المنوّرة أُخذ من قِبل رجال حاميتها، الذين ضربوا بتعليمات الشريف علي بن الحسين؛ عرض الحائط، واختاروا تسليمها عندما أيقنوا عدم قدرتهم على مواجهة جيش الملك عبدالعزيز الذي حاصر المدينة وقطع خطوط الإمداد عن حاميتها للضغط عليها للتسليم بدلاً من المواجهة العسكرية وهو ما جرى بالفعل.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org