في ظل التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، يبرز تساؤل مهم حول إمكانية دخول البلدين في حرب عملة كرد فعل على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة.
تمتلك الصين أداة قوية للرد على تهديدات ترامب، ألا وهي التلاعب بعملتها (الرنمينبي)؛ لمواجهة التعريفات الجمركية الأمريكية.
فمن خلال السماح لعملتها بالانخفاض يمكن للصين أن تعوض جزئيًّا أو كليًّا آثار التعريفات الجمركية على صادراتها.
وقد لجأت بكين إلى هذه الاستراتيجية في عامَي 2018 و2019 عندما فرض ترامب تعريفات جمركية خلال فترته الرئاسية الأولى.
وعلى الرغم من أن خفض قيمة العملة قد يكون وسيلة فعالة لمواجهة التعريفات الجمركية إلا أنه ينطوي على مخاطر كبيرة على الاقتصاد الصيني.
ففي حالة انخفاض قيمة الرنمينبي قد تتسرع الشركات والعائلات الثرية في تحويل أموالها إلى الخارج؛ ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة في الاقتصاد المحلي. كما أن انخفاض سعر الصرف قد يؤثر سلبًا على ثقة المستهلكين، ويقلل من قيمة الأسهم، ويعمل ضد الجهود التي تبذلها الحكومة لدعم الاقتصاد، خاصة في ظل الأزمة العقارية التي تعانيها الصين.
وفي خطاب نادر، ألقاه شي جين بينغ، الزعيم الأعلى في الصين، أكد أهمية الحفاظ على عملة قوية كعنصر أساسي في تحقيق "التنمية المالية عالية الجودة".
وقد تم تضمين هذا الخطاب في كتاب نشر باسمه؛ ما جعل الرنمينبي القوية جزءًا لا يتجزأ من الأيديولوجية التوجيهية للبلاد، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وأعربت الصين عن معارضتها الشديدة لأي تعريفات جمركية جديدة؛ إذ قالت سفارتها في واشنطن: "لا أحد سيفوز في حرب تجارية أو حرب تعريفات جمركية".
وقد قامت الشركات الصينية بتعزيز قدراتها التصنيعية في بلدان أخرى؛ ما سمح لها بتجاوز التعريفات الأمريكية.
كما أن بعض أصحاب الأعمال الصينيين يقومون بتحويل أموالهم إلى الخارج لتعزيز عملياتهم الأجنبية تحسبًا لأي تعريفات جمركية إضافية، قد يفرضها ترامب.
ومن المتوقع أن تكون سياسة العملة أولوية في إدارة ترامب الجديدة، خاصة مع اختياره سكوت بيسنت، مدير صندوق التحوط، لتولي منصب وزير الخزانة.
وعلى الرغم من خبرة بيسنت في تجارة العملات إلا أن تركيزه قد يكون أكثر على الجنيه الإسترليني والين الياباني؛ ما قد يترك الرنمينبي خارج دائرة اهتمامه.
ويرى بعض المحللين أن الصين قد تلجأ إلى خفض قيمة عملتها كإجراء وقائي ضد التعريفات الجمركية، ولكن هناك مخاطر كبيرة قد تترتب على ذلك.
فمن المتوقع أن يكون هناك حد أدنى للعملة عند 7.3 إلى 7.5 للدولار؛ ما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الرنمينبي إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2006.
ومع ذلك، فإن العديد من المحللين يشككون في قدرة الصين على تحمُّل انخفاض حاد في عملتها.
وفي ظل التوترات التجارية المتصاعدة يبقى السؤال مطروحًا: هل ستختار الصين الدخول في حرب عملة مع الولايات المتحدة؟ أم إنها ستجد طرقًا أخرى للتعامل مع تهديدات ترامب؟
فقط الأيام القادمة ستكشف لنا الإجابة.