في مكان واحد، وزمان واحد، ولباس واحد، والتزام موحد بالتدابير والإجراءات الوقائية والاحترازية لفيروس كورونا، تَوافد اليوم (الاثنين) التاسع من شهر ذي الحجة عام 1442هـ، 60 ألف حاج إلى صعيد عرفات؛ لأداء الركن الأعظم للحج، في يوم عرفة، أفضل يوم عند الله تعالى، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف وقوف الحجاج على صعيد عرفة اليوم، عن وقوف مئات الملايين من المسلمين الذين سبقوهم إلى أداء الركن الخامس من أركان الإسلام عليه، خلال السنين السابقة منذ حجة الوداع التي وقف فيها النبي على عرفة في السنة العاشرة للهجرة.
وعرفات من ناحية الأبعاد المكانية، سهل منبسط محاط بقوس من الجبال، فمن الشمال الشرقي يشرف عليه جبل أسمر يسمى جبل سعد، ومن مطلع الشمس يشرف عليه جبل أشهب، وهو أقل ارتفاعًا من سابقه، ويتصل به من الجنوب؛ فيما تشرف عليه سلسلة سوداء من جهة الجنوب تسمى أم الرضوم، ومن الشمال إلى الجنوب الشرقي يحده وادي عرنة، ويقع عرفات على الطريق بين مكة والطائف شرقي مكة المكرمة بنحو 22 كيلو مترًا، وعلى بعد 10 كيلومترات من مشعر منى، و6 كيلو مترات من المزدلفة، بمساحة تقدر بـ10.4 كيلومترات مربعة.. وليس بعرفة سكان أو عمران إلا أيام الحج غير بعض المنشآت الحكومية"، وعرفات المشعر الوحيد في مشاعر الحج، الذي يقع خارج الحرم.
ويسمى صعيد عرفات بـ"عرفات" و"عرفة"، وهما مسميان متطابقان تمامًا ولا اختلاف بينهما في الدلالة على تلك البقعة المحددة، التي تُعرف بهما، وعرفات ليست جمعًا لعرفة، وإنما مفرد على صيغة الجمع، أما عن سبب تسميته بهذا الاسم فقد وردت فيه روايات عدة منها، أن جبريل عليه السلام، كان يطوف بنبي الله إبراهيم عليه السلام، ويعلمه المناسك، ويقول له: "أعرفت، أعرفت؟"، فيرد عليه إبراهيم: "عرفت، عرفت"، ومنها أن آدم وحواء حينما هبطا إلى الأرض، نزلا في مكانين مختلفين، فالتقيا في صعيد عرفات، فتعارفا على بعضهما فيه، وقيل إنه سمي بهذا الاسم لأن الحجيج يعترفون فيه بذنوبهم، ويطلبون من الله أن يغفرها لهم، ويعفو عنهم.
ولم يكن الوقوف بعرفة موضع إجماع بين العرب، فقد كانت قريش وقبائل أخرى سميت مجتمعة "قبائل الحمس" ترفض الوقوف بعرفة؛ ترفعًا على بقية العرب، وتقف بمزدلفة، ويبررون مسلكهم بالقول: "نحن أهل الله وقطان حرمه، فلا نخلف الحرم ولا نخرج منه"؛ فيما سائر العرب كانوا يقفون بعرفة، فجاء الإسلام، كما قالت أم المؤمنين عائشة: "فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها؛ فذلك قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}"، وجعل الحج لا يتم إلا بالوقوف بعرفة، وقال صلى الله عليه وسلم في ذلك: (الحج عرفة)؛ تأكيدًا على أن من لم يقف بعرفة فحجه باطل، وبين النبي أن عرفات كلها موقف في قوله: "وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف".