يشكل القضاء ضمانة الحقوق والحريات، التي يتمتع بها المواطنون في أي دولة في العالم، ولكي يتكفّل القضاء بضمان الحقوق والحريات فلا بد أن يكون مستقلًّا، بل أن يكون سلطة من سلطات الدولة، وليس وظيفة من وظائفها، وذلك ما يتحلّى به القضاء السعودي، فلقد نصت المادة 46 من النظام الأساسي للحكم على أن "القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية"، وهو ما وفّر المعايير المطلوبة لإقرار العدالة بين المتقاضين، وأتاح للقضاء الكفاءة الكاملة في النهوض بمهامه.
ثقة المتقاضين
وفي إطار تلك المعايير التي يتمتع بها القضاء السعودي، والتي لا تجعل لسلطة أخرى التأثير على أدائه، فإنه الجهة الوحيدة المنوط بها تحديد صحة الاتهامات التي توجه إلى المتهمين، كما أنه ينفرد أيضاً بتحديد العقوبات التي يستحقونها في حال ثبوت الإدانة، وينطبق ذلك تماماً على المتهمين في قضية الإخلال بأمن المملكة، وفي اقتصار تحديد صحة الاتهامات والعقوبات على القضاء وحده؛ ما يعزز من ثقة الأطراف المتقاضية في إقرار العدالة، سواء أكانوا المتهمين وأسرهم أو الدولة، في ضوء الوضعية التي يتمتع بها القضاء السعودي كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وليس وظيفة أو أداة لها.
وإقرار العدالة بالنسبة للقضاء السعودي ليس مرحلة جزئية، بل عملية شاملة تضم في إطارها كل مراحل سير التقاضي؛ بداية من تحقيقات النيابة إلى النطق بالحكم في المحاكم المختصة؛ فكل مراحل سير التقاضي مرتبطة ببعضها داخل المنظومة القضائية، كما أنها تجري بناء على ما يقرُّه النظام من حقوق للمتهمين، ولا تجري في أجواء يُحرم المتهمون فيها من الحقوق. ولأهمية هذه المسألة في عملية سير التقاضي، أكدت النيابة العامة في بيانها الذي أصدرته أمس بعد الانتهاء من التحقيقات مع المتهمين بالإخلال بأمن الدولة؛ أن "جميع الموقوفين على ذمة هذه القضية يتمتعون بحقوقهم كافة التي كفلها لهم النظام".
حظر الإيذاء
ويكفل نظام الإجراءات الجزائية للمتهمين العديد من الحقوق، التي تحفظ كرامتهم الإنسانية وتمنع تعرضهم للإيذاء بأشكاله كافة، وحول ذلك تنص المادة الثانية من النظام على أنه "يُحْظَر إيذاء المقبوض عليه جسديًّا أو معنويًّا، ويُحْظَر كذلك تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة"، كما يمنع النظام تعرض المتهم لأي عقوبة في أي مرحلة من مراحل سير التقاضي كالتوقيف أو التحقيق، وينص في مادته الثالثة على أنه "لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص، إلا بعد ثبوت إدانته بأمر محظور شرعًا أو نظامًا بعد محاكمة تُجْرى وفقًا للمقتضى الشرعي"، فتوقيع العقوبة على المتهم -كما تشير إليه المادة- مشروط بالمحاكمة وبثبوت جرم يقره الشرع.
ومن الحقوق التي يكفلها نظام الإجراءات الجزائية للمتهمين: ما فرضه على جهات مباشرة سير التقاضي؛ من ضرورة توعية المتهم بحقوق في النظام حتى يكون على علم بها، ويمارس الرقابة بنفسها على تطبيقها وحصوله عليها، وفي ذلك ينص النظام في مادته الرابعة على أن "تبين لوائح هذا النظام حقوق المتهم الواجب التعريف بها"، وفي إطار تقيد كل مراحل التقاضي للنظام وخضوعها له، فإنه من غير الوارد أن يتجاوز أي مسؤول لصلاحياته أو يسيء سلطة مخولة له، ويبرهن ما تقدم – وهو قليل من كثير - على تمتع المتهمين بكل يضمن حقوقهم، ويثبت نهوض القضاء السعودي بواجباته كجهة ضامنة للحقوق والحريات.