بعد ٣٧ عامًا قضاها في خدمة العلم والتعليم، ودّع الدكتور خليل الحدري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، طلابه وطالباته في رسالة مؤثرة حملت في طياتها العديد من العِبَر.
وقال "الحدري" في رسالته: "غدًا الأربعاء ١/ ٧/١٤٤٣، سأكون خارج منظومتنا الأكاديمية، وستأخذ الجامعة مفتاح مكتبي، وبطاقتي، وجدولي، وبريدي، ودرجي، وطلابي وطالباتي، وسآخذ مكان ذاك كله قلوبكم العامرة، أسيح في جنباتها، أتروى من ذكريات عابقة بالحب والنبل والنقاء".
وأضاف: "غدًا سأقضيه بعيدًا عنكم، قريبًا منكم، غدًا سأكون بين ضميرين: منفصل ومتصل، منفصل عنكم، متصل بكم، غدًا سأغادر، ولا أغادر، أغادر الميدان، ولا أغادر الجنان".
وتابع: "يبدو يا -رفقاء الدرب- أني قد مررت، وسأمر بأربع محطات وداع خلال مسيرتي الحياتية؛ أولها كانت من أبها لمكة المكرمة، حين ودّعت فيها صفوة الأحباب، وخيرة الأصحاب، وثانيها من مكة المكرمة لنجد العذية، حين فارقت فيها زملاء أوفياء، وإخوة أصفياء".
وأردف: "ثالثها من الميدان الرسمي في جامعة الإمام لميدان الحياة الفسيح؛ عبر بوابة التقاعد، أحببت في هذا الصرح أخلاء رائعين، ونبلاء مبدعين، ورابعها حين يغزو أسماعكم على غرة (توفي خليل الحدري).
وبيّن: "أودّع كليتنا وقسمنا في جامعة الإمام إلى ميدان الحياة الفسيح؛ لكن ليس الوداع كالوداع، ولا الفراق كالفراق، وداع الأمس من مكان إلى مكان، في عطاء أكاديمي واحد لم يختلف.. ووداع اليوم مختلف جدًّا، إنه الوداع الموشح بالرحيل عن الميدان الرسمي الذي كنت فيه متيمًا بطلابي وطالباتي، وزملائي وزميلاتي؛ بسبورتي، وحاسوبي، بوقفتي أمام طلاب العلم وطالباته في جميع المراحل، تجلى فيها متعة علمية ومعرفية يصعب عليّ -والله- وصفها، فيها العلم، والمعرفة، والحب، والإجلال، فيها القفشات، والكفشات والمواقف المضحكة الجالبة للسرور والمتعة العميقة".
وقال "الحدري": "يا أصفياء الروح، وبلاسم الجروح: حين تحين ساعة الوداع الأخير -والعلم عند ربي متى ستكون- في تلك اللحظة إن سبقتُ انتظرتكم تحت ظل عرش الرحمن، بفضل ربنا ورحمته وحسن ظننا به.. وإن سبقتموني، فأخبروا ربنا جل جلاله -وهو أعلم- أننا كنا نتحابّ فيه؛ لنتخذ من ظل عرشه مكانًا سويًّا".
وخاطَبَ طلابه وطالباته في أبها ومكة والرياض بقوله: "السلام عليكم من أخ أسكنكم من قلبه في مكان القرارة، كانت علاقته بكم علاقة الحب والوفاء والنبل والخلق الحسن.. لا أذكر أني جرحت منكم بكلمة طوال هذه السنين! وما دلالة ذلك عندي سوى نبلكم وكرمكم وأصالة معادنكم".
وختم الدكتور خليل الحدري رسالته لأبنائه الطلاب والطالبات بأبيات شعر قال فيها:
يا رفاق الدروب هذا وداعي
باسط الكف بين راج وداع
وإذا ودعت دموعي صحابا
أروت الأرض في الحقول الوساع
وغدا الزهر بالدموع رياضا
منشدا في الوداع بين التراع
يا سقى الله ساعة كنت فيها
عند قومي بسطت ثم شراعي
سرت في بحر أمنياتي طويلًا
والأماني بالغي تلوي ذراعي
ما ظننت السنين تطوي حياتي
وتنادي هيا.. فأطوي متاعي
بيد أن الخيال أضحى يقينًا
والأماني ولت بغير انقطاع
يا وداعًا لصحبتي يا وداعًا
إن كفي بين راج وداع