صفقات المملكة مع أمريكا.. نقل التقنية وتغيير مفهوم الاستثمار

رؤية 2030 تضع حداً فاصلاً للاتفاقات غير المثمرة مستقبلاً
صفقات المملكة مع أمريكا.. نقل التقنية وتغيير مفهوم الاستثمار
تم النشر في

نجح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في تعزيز الاستفادة من الصفقات الاقتصادية التي تُبرمها المملكة مع الدول الأخرى؛ فلم يعد الهدف من هذه الصفقات -كما هو في السابق- تأمينُ احتياجات البلاد الضرورية عبر استيراد السلع المصنّعة مع الخارج بمليارات الدولارات، ومن ثم استهلاكها، وعندما تنفد، يتم استيراد غيرها وهكذا؛ وإنما حرَص ولي العهد على أن تثمر هذه الصفقات "أولاً" عن فوائد عدة؛ في مقدمتها نقل التقنية، وتعزيز التوطين، وخلق الوظائف داخل المملكة؛ فضلاً عن الاهتمام بالتدريب والتأهيل للشباب السعودي في العديد من المجالات.

وقد ضَمّن سمو ولي العهد هذا التوجه -صراحة- في رؤية المملكة 2030، التي أعلنها قبل أكثر من عام؛ إذ تعمل الرؤية على توطين 50% من الإنفاق العسكري بحلول العام 2030؛ بخلاف نِسَب التوطين في القطاعات الأخرى. ويتجسد هذا التوجه بوضوح تام في الصفقات التي أبرمتها المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بلغت في الشهور الأخيرة نحو 600 مليار دولار، وشملت صفقات عسكرية واستثمارية وصناعية، من المتوقع -بحسب المحللين الاقتصاديين- أن تعود بالفائدة الكبرى على المملكة وشعبها.

وتشدد بنود الصفقات مع الجانب الأمريكي، على أن توفر آلاف الوظائف للسعوديين في العديد من القطاعات الصناعية، بجانب وضع خطط لنقل التقنية والمعرفة للمملكة، عبر استثمارات مشتركة، في صورة مشاريع صناعية كبرى، يعمل فيها سعوديون بعد تدريبهم وتأهيلهم؛ لضمان تطور واستدامة قطاع الصناعات الوطنية، وعلى رأسها القطاع العسكري؛ بما يحقق أهداف الرؤية.

وتتوزع قيمة الصفقات التي وقّعتها المملكة مع الجانب الأمريكي، البالغة 600 مليار دولار، بين 200 مليار دولار يتم التعامل معها كالمشروعات المشتركة، وكذلك 400 مليار كانت في وقت سابق. وقال ولي العهد تعليقاً على ذلك: "نفّذنا 50% من اتفاقاتنا الاقتصادية مع أمريكا".

صفقات الزيارة

ويشهد ولي العهد أثناء زيارته الحالية إلى أمريكا، إبرام عدد من الصفقات الاقتصادية المهمة؛ أبرزها صفقة أسلحة هجومية ودفاعية. وأظهرت اللوحة التي استعرضها الرئيس الأمريكي ترامب، أثناء لقائه مع ولي العهد، مجموعةً من الطائرات والسفن البحرية ووسائل الدفاع الجوي المتطورة، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة والدبابات، وكتب على اللوحة أنها بقيمة 12.5 مليار دولار. وزاد التعاون العسكري بين المملكة والولايات المتحدة بمقدار 55% تقريباً؛ لا سيما بعد زيارة الرئيس ترامب للمملكة خلال مايو الماضي، والتي شهدت التوقيع على صفقات بقيمة 110 مليارات دولار.

واستعرض ترامب مع ولي العهد، العقود الكبيرة بين البلدين؛ منها: منظومة "ثاد" للدفاع الجوي الصاروخي التي من المقرر تسليمها إلى السعودية قريباً، بقيمة 13 مليار دولار، وطائرات "سي- 130 العملاقة" بقيمة 3.8 مليارات دولار، ودبابات برادلي بقيمة 1.2 مليار دولار، وطائرات "بي- 8 بوزايدون" بقيمة 1.4 مليار دولار. وقال إن هذه العقود ستوفر أكثر من 40 ألف فرصة عمل في الولايات المتحدة.

توطيف التقنيات

وخلال زيارة دونالد ترامب إلى المملكة العام الماضي، وقّع البلدان صفقات اقتصادية بما يقرب من 460 مليار دولار، تشمل مبيعات دفاعية للمملكة بقيمة 110 مليارات دولار، كما وقّعت المملكة أيضاً اتفاقيات مع شركات أمريكية للصناعات العسكرية تشمل توقيع اتفاق مع شركة "لوكهيد مارتن" لدعم برنامج تجميع 150 طائرة هليكوبتر، وتوقيع اتفاق مع شركة "رايثيون" لإنشاء فرع في السعودية سيركز على تنفيذ برامج لخلق قدرات محلية في الدفاع وصناعة الطيران والأمن في المملكة، وتوقيع اتفاق مع مقاول الدفاع "جنرال دايناميكس" على "توطين التصميم، وهندسة وتصنيع ودعم المركبات القتالية المدرعة" للبرامج الحالية والمستقبلية في المملكة؛ بما يدعم هدف توطين 50% من الإنفاق الحكومي العسكري في المملكة وفقاً لرؤية 2030.

صفقات ضخمة

وفي مجال الطاقة والنفط والقطاعات الصناعية، وقّعت المملكة رزمة مذكرات تفاهم ومشاريع مهمة مع شركة "جنرال إلكتريك" بقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار في قطاعات الطاقة؛ فضلاً عن اتفاق مع شركة "داو كيميكال" على استثمار 100 مليون دولار في بناء منشأة تصنيع لإنتاج البوليمرات للطلاء ومعالجة المياه.

ووقّعت أرامكو 16 اتفاقية مع 11 شركة أمريكية لدعم فرص النمو التجاري المشترك والقيمة المضافة تُقَدّر بـ50 مليار دولار، مع توفير فرص عمل كثيرة. ووقّعت أرامكو مع "جنرال إلكتريك" مذكرةَ تفاهم لإجراء تحول رقمي لعمليات أرامكو السعودية؛ بهدف توفير 4 مليارات دولار في الإنتاجية سنوياً، وأعلنت شركة "موتيفا إنتربرايزز" التي تملكها "أرامكو السعودية"، عن توظيف استثمار ضخم في الولايات المتحدة، تبلغ قيمته 12 مليار دولار، مع إمكانية وصول الاستثمار إلى 18 مليار دولار بحلول 2030.

ووقّعت "أرامكو" أيضاً مع شركة "روان" مذكرة تفاهم لإنشاء شركة حفر بحري في السعودية، وبدء تصميم واختيار الحفارات البحرية ضمن استثمار يقدر بـ7 مليارات دولار، ووقّعت "أرامكو" مع شركة "نابورس" مذكرة تفاهم لبحث آفاق تطوير وتحسين أعمال الحفر البري ضمن مشروع مشترك سيشهد استثمارات تبلغ 9 مليارات دولار، وقالت شركة "بلاكستون" للاستثمار المباشر وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية: إنهما وقّعا مذكرة تفاهم لتدشين آلية استثمار في البينة التحتية بقيمة 40 مليار دولار، وبمساهمة أولية من قِبَل صندوق الاستثمارات السعودي بقيمة 20 مليار دولار؛ على أن تجمع المبالغ المتبقية من مستثمرين آخرين. وتتوقع "بلاكستون" أن تستثمر عبر هذا التمويل في مشاريع بنية تحتية بأكثر من 100 مليار دولار، في الولايات المتحدة بشكل رئيسي.

الحد الفاصل

ويُجمع المحللون على أن رؤية 2030 وضعت حداً فاصلاً بين استراتيجيتين، تحددان هوية الصفقات الاقتصادية التي تبرمها المملكة مع الدول الأخرى، ويرون أن الاستراتيجية القديمة (قبل الرؤية) كانت تعتمد على استيراد السلع المصنّعة جاهزة من الخارج، دون التفكير في جلب التقنية الخاصة بها لتصنيعها محلياً؛ أما الاستراتيجية الجديدة (بعد الرؤية) فتعمل على تعزيز القطاع الصناعي في المملكة، وتأهليه لجلب التقنيات الحديثة، وتدريب المواطنين عليها، لتصنيع السلع والمعدات التي تسوردها المملكة من الخارج؛ وهو ما يوفر الملايين من فرص العمل، ويقلص فاتورة الاستيراد.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org