مثل غيره من القطاعات الأخرى، يشهد القطاع غير الربحي في السعودية تطورًا ملموسًا خلال السنوات الأخيرة. ويستهدف هذا التطوير المرتكز على "رؤية 2030" تحقيق أربعة أهداف أساسية، هي: بناء قدرات الجهات العاملة في القطاع غير الربحي، وتعزيز قدرتها على تبني ممارسات الشفافية والحوكمة الرشيدة، وتوسيع العمل التطوعي وأثره، وتوسيع القطاع غير الربحي وتوجيهه للعمل في التنمية. وقد حظيت مسيرة تطوير القطاع غير الربحي بانعطافة قوية مع تأسيس المنصة الوطنية للعمل الخيري "إحسان"، وإطلاقها في 20 مارس الماضي؛ لـ"تسهيل عملية التبرع للفئات الأشد احتياجًا بسهولة وأمان وموثوقية، ورفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي"، طبقًا لتعريف منصة "إحسان" لأهدافها.
وما إن أُطلقت منصة "إحسان" حتى تدفقت عليها التبرعات، وبدأت بدعم سخي بقيمة 30 مليون ريال من الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. واستطاعت المنصة في مدى زمني قدره نحو خمسة أشهر فقط جمع مبلغ، بلغت قيمته اليوم السبت مليارًا و483 ألفًا و896 ريالاً، بعد تبرُّع ولي العهد بمبلغ 10 ملايين ريال للمرة الثانية، محققةً إنجازًا غير مسبوق في جمع التبرعات الخيرية. ويُلمَس دور منصة "إحسان" بوضوح من عدد المستفيدين منها، الذين بلغوا إلى الآن 2.489.367 مستفيدًا، كما أن عدد عمليات التبرع الذي بلغ 13.477.713 خلال نحو خمسة أشهر يعكس بجلاء حجم الثقة، التي اكتسبتها المنصة من جانب أفراد المجتمع السعودي.
وتمثل منصة "إحسان" أحد التطبيقات التقنية التي ابتكرتها السعودية ضمن مساعيها لتوظيف التقنية الحديثة في تطوير وسائل الحياة، وتسهيل التعامل مع مختلف الخدمات والمطالب التي يحتاج إليها سكان السعودية. وتفسر مزاياها كيف تُعتبر "إحسان" المنصة الأولى للعمل الخيري في السعودية؛ إذ تتيح المنصة عملية التبـرع فـي أي وقت وأي مكان، كما تتيح التنوع في مجالات التبرع؛ إذ تغطي العديـد من جوانب العمل الخيـري. وتتمتع المنصة بأعلى معايير الشفافية في الممارسات الإدارية والماليـة، وتطبّق أعلى المعايير التقنية في أمن المعلومات، إضافة إلى مزايا أخرى، جعلت العمل الخيري مواكبًا للعصر، وطورت القطاع غير الربحي، وربطته بعملية التنمية.
ورغم المزايا التقنية التي تتمتع بها منصة "إحسان" فلا تزال موضع تطوير من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، التي أضافت إليها مؤخرًا ميزة "تتيح خدمة التبرع الدوري، التي تستقطع مبلغًا محددًا من البطاقة البنكية بشكل دوري؛ لتصل إلى مجالات تبرع مختارة تلقائيًّا". ولا يعد النجاح الذي حققته المنصة إلى الآن سوى بداية قوية لمستقبل واعد وطموح للقطاع غير الربحي في السعودية، يضمن ريادتها في مجال العمل الخيري دوليًّا وإقليميًّا.. فمع مواصلة المنصة نجاحاتها، حتى لو استمرت على معدلات التبرع الحالية ولم تُزِد عليها، يُتوقَّع أن يتضاعف دور منصة "إحسان"، ويتعاظم دورها التنموي الاجتماعي على مَرّ السنين.