في الشتاء ومواسم المطر بشكل خاص وفي ظل تقلبات الطقس وبحث الناس عن الأخبار، قد لا يعلو صوت على صوت المهتمين بهذا المجال؛ خصوصًا من يوصفون بـ"هواة الطقس"، الذين يبقون في دائرة الجدل حول مصداقيتهم واعتمادهم كجهات موثوقة في هذا المجال خصوصًا مع ظهور أغلبهم على مواقع التواصل الاجتماعي كمسوقين ومعلنين، وأيضًا محللين ومحذرين ومبشرين في ذات الوقت حول أوضاع الطقس.
والواقع أن هناك مواجهة متجددة -إن صح التعبير- بين (هواة الطقس) وبين (الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة)، لم تهدأ بعدُ على ما يبدو. ومن أمثلة جولاتها الساخنة ما حدث في فبراير 2018م وعلى منصة موقع "تويتر" حين تعرّضت الهيئة لهجمة غاضبة وشرسة بعدما قامت بتشفير رادارات الطقس، وقننت الوصول غير الرسمي لها؛ مبررة ذلك بأن الهدف هو التنظيم وإتاحة الاستفادة منها بشرط التسجيل.
المُلفت حينها -وهو أمر متزايد من يومها- لم يكن حضور حلقة جديدة من الخلاف أو الاختلاف بين الهيئة وهواة الطقس؛ بل كان عدد الهواة الذين ظهروا على الهاشتاق ما بين أسماء معروفة ولها جمهور متابع، وبين أسماء وكُنى وصفات ربما غير معروفة ومسمياتها متعددة مثل "راصد جوي" و"خبير الأحوال الجوية"، وأظرفها ربما كان "محب ومطارد للسحب والأمطار".
الآن ومع تقلب موجات البرد تفتح "سبق" الملف لكشف المستجدات حوله، وتواصلت مع الجهة الرسمية، ومع بعض أهم الأسماء الحاضرة في الموضوع من الهواة.
هذه حقيقة (هواة الطقس):
بداية وفي تصريح خاص لـ"سبق" قال مصدر في الهيئة -طلب عدم كشف اسمه: إن الوضع ما زال محل خلاف، والهيئة بذلت محاولات لاحتواء الأمر؛ ومن ذلك دعوتها لقرابة 100 مهتم بالطقس لتعريفهم بالأدوار المنتظرة ضمن رؤية 2030م. وفي تلك المبادرة أكدت الهيئة ضرورة التعاون وكون الهواة مكملين لدور الهيئة التي أبدت استعدادها لتطوير مهاراتهم، وكاشفة عن مبادرة باسم (نادي هواة الطقس) تحت مظلة الهيئة، واختتم اللقاء بميثاق تعاون يؤكد أن المصدر الرسمي لمعلومات الطقس هو الهيئة، وعلى الهواة تجنّب إطلاق التحذيرات والتنبيهات فيما يخص الحالة الجوية".
يدّعون "المفهومية":
ووصف المصدر ما يقوم به هواة الطقس حاليًا بأنه مجرد "اجتهادات"، وهي وإن كانت مُقدّرة؛ إلا أن "البعض منهم يدّعي المفهومية وهو في الأساس لا يملك المؤهل العلمي الذي يساعده على التنبؤ بالطقس؛ وإنما يعتمدون بشكل رئيسي على ما تخرجه لهم مواقع الطقس العالمية، ومن ثم يبدؤون في المزايدة على بعضهم في السبق؛ وكأنهم على غرار مقولة "أتوا بالأسد من ذيله"، ويصبحون مثار سخرية؛ مستشهدًا بأنه في يوم واحد فقط أصدر أربعة من مشاهير الطقس توقعات مختلفة (طقس يميل للدفء، موجة قطبية، بداية الشبط، وانتهاء الشتاء، ........) ووصف ذلك بـ"تخرصات" لا قيمة لها، ومتعجبًا: "إذن من سيصدق المتابع حينها!؟
غير متخصصين:
واعتبر المصدر "هواة الطقس" "ما هم إلا مثل أصحاب الوصفات الشعبية في سوق الحراج، وأنه لو أغلقت الهيئات العالمية إخراج نواتجها لهم؛ لما عرف خريج (الجغرافيا والشريعة والصيدلة) التنبؤ بالطقس ليوم غد؛ بل هم مثل مقدم طلبات الوجبات السريعة، يقدم الطلب لكن لا يعرف سر الخلطة!".
وحذّر المصدر من أن استمرار الهواة على هذا النحو؛ سوف يسرّع بخروج نظام الهواة؛ مما يوجب عليهم التوقف.. وطالبهم بالتوقع لكن بدون مبالغات وإرجاف وزرع الخوف في قلوب المواطنين.
مستوى متدنٍّ:
من جهته يعلق د.عبدالله المسند أستاذ الجغرافيا المشارك بجامعة القصيم وواحد من الأكثر حضورًا على مواقع التواصل الاجتماعي في هذا المجال، في تصريح خاص بـ"سبق" بقوله: "أرى أن الفترة الحالية والقادمة يفضل عدم إثارة مثل هذه المسائل؛ لأن الهيئة وعلى رأسها رئيسها وأعضاء هيئة الأرصاد، قد فتحوا أبوابهم لمن هم خارج الهيئة من المختصين والهواة لسماع رأي الطرف الآخر".
مضيفًا: "أحسب أن الإخوة صادقين في رغبتهم في التطوير والتحسين لمخرجات الهيئة؛ وإن كانت الإيقاعات بطيئة من وجهة نظري؛ إلا أنها أول خطوات العلاج والاعتراف بالمستوى المتدني للهيئة، وأنهم ساعون إلى التطوير وسماع الطرف الآخر؛ وهذا ما ننتظره خلال الأيام القادمة".
وأردف د.المسند: "ولا أخفيك أن المُخرج بدأ يتحسن وبدأ يتطور وبدأ يواكب الحدث، وبعبارة أخرى بدأت مخرجات الهيئة تقترب -وأقول تقترب- من مخرجات المختصين والهواة خارج الهيئة. ونحن نتطلع لأن تكون مثله؛ بل وأفضل من مخرجات الآخرين، وهذا هو المفترض في الواقع أن يكون".
لسنا أقل منهم:
هذا فيما يرى محلل الطقس فهد الجهني في حديثه لـ"سبق": مشكلة هواة الطقس والأرصاد لم أشاهدها في أي دولة بالعالم إلا هنا في بلدنا، وهذا أمر مؤسف أن ننشغل بمثل هذه الأمور"، نعم نحن هواة للطقس؛ ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أننا أقل علمًا أو معرفة، وتوجد أمثلة كثيرة على هواة يتفوقون على المختصين".
وأضاف الجهني: أما بخصوص التشويش على عمل هيئة الأرصاد؛ فأنا أرى أن الأمر متعلق بهيئة الأرصاد نفسها؛ فهي جعلت من الهواة منافسين لها عِوَضًا عن أن تحتويهم وتستفيد من قدراتهم، وأنا هنا أسأل هيئة الأرصاد: لماذا جماهرية هواة الطقس جارفة وقوية جدًّا بعكسكم أنتم؟ المجتمع هو من يستطيع أن يحكم من المتفوق والأكثر مصداقية. الأسلوب القديم الذي لا تزال تتبعه هيئة الأرصاد هو سبب ضعفها؛ فهي غير حاضرة باحترافية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يتفاعلون مع الناس كما يجب. لماذا يطالبوننا بالتسجيل! كل دول العالم تتيح معلومات الطقس مجانًا".
نحن نطالب بحقوقنا:
وحول التفاعل قال الجهني: "تمت دعوة هواة الطقس مرتين من قِبَل الأرصاد، وكان الحضور جيدًا، وتوافد الهواة من معظم مناطق المملكة على أمل إيجاد حل مناسب يُرضي الطرفين، والهواة دائمًا أول من يمد يد العون. ما بيننا وبين الأرصاد ليست عداوة وخصومة؛ إنما مطالبة بحقوقنا كهواة ومواطنين لهذا البلد؛ أن يتم تزويدنا بمعلومات الطقس دون عرقلة وقيود".
وعن توقعات إقرار نظام الغرامات، يعلّق فهد الجهني بقوله: "لم أشاهد مثل هذا النظام في العالم أجمع. وأعتقد أنه لن يرضي أحدًا؛ لكن لا حيلة لنا ولا قوة في ذلك، نحن نجتهد ونعين وفي الأخير نُقابل بالعقوبات والجحود.. وهواة الطقس ليسوا حديث عهد؛ بل سنوات من الخبرة والممارسة حسبنا الله وكفى".
سجالات:
السجالات مرت بمحطات مواجهة قوية، وعلى سبيل المثال ما ردّ به د.أيمن غلام نائب رئيس الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة لشؤون الأرصاد عبر برنامج "معالي المواطن" على تأكيد الهواة بأنهم يمتلكون الخبرة بقوله: "صور الرادار تعني للهواة مجرد صور؛ لكن الهيئة من خلال المتخصصين تُحَوّلها لمعلومات رقمية وفق نمذجة عددية بحسابات، وينتج عنها توقعات دقيقة. وهو أمر لا يعلمه الهواة"، ومنسوبو الهيئة متخصصون في الأرصاد، وهو تخصص صعب جدًّا يعتمد على الفيزياء والرياضيات؛ ولهذا يتهرب الهواة".
هذا التوضيح رفَضه د.المسند في نفس اللقاء بقوله: "كل الدول العالمية لم يعملوا ما قامت به الهيئة من قفل الرادار. أنا مختص في الخرائط والجغرافيا؛ وبالتالي أفهم في الخرائط والأمور الأمنية أكثر من الأرصاد. كما أن رادارات الهيئة عادية ولا تغطي كل المملكة، وبَرد المدينة المشهور شاهد على ذلك، وما فعلته الهيئة "حسد". وفيما يخص الدعوات لتلك المبادرة؛ لم تكن أصلًا من الهيئة بل من منتدى معروف بادروا بذلك مجاملة ليسمعوا ما عند الهيئة. الأرصاد متخلفة عن الهواة 8 سنوات".
النظام المنتظر:
الجدير بالذكر أنه في أغسطس 2019 أقرت وزارة البيئة والمياه والزراعة غرامات مالية تصل إلى مليونيْ ريال والسجن لمدة 10 سنوات، لمن يقوم بممارسة عمليات رصد عناصر الطقس الوطنية ذات الطابع السيادي، والتي لا يجوز إعطاء تراخيص لممارستها؛ في حين بلغ أقصى حد لغرامة ممارسة التنبؤ بالطقس بدون ترخيص مليون ريال.
وحددت الوزارة ضمن نظام مقترح من 19 مادة خاصة بالأرصاد، 5 مخالفات توجب العقوبات، تضمّنت عقوبة القيام بالأنشطة الأرصادية دون الحصول على ترخيص. وأوضح النظام المقترح 3 ممارسات تستلزم الحصول على ترخيص منها، وهي: نشر التنبؤات بالحالة الجوية في مناطق المملكة بأي وسيلة. هذا فيما نشرت مسودة تلك اللوائح والأنظمة بمسمى (تنظيم المركز الوطني للأرصاد) بصحيفة أم القرى (الصحيفة الرسمية).
وحول تلك العقوبات علّق عبد العزيز الحصيني الذي يقدم نفسه على أنه خبير المناخ والطقس في حديثه لبرنامج "الراصد" أن "أخذ رخصة للعمل في رصد الطقس من أكثر الأمور تعقيدًا"، ومشيرًا إلى أن "الأمر فيه نوع من القسوة والمبالغة". وأضاف أن هذا القرار ضد توجه الدولة في رؤية 2030، ومشيرًا إلى أنه يجب عدم غلق الأبواب في وجه الشباب الذين يمارسون رصد الطقس كهواية وأصبحت لديهم بمثابة خبرة.