عملية تجريف تقوم بها الدولة للفاسدين منذ إعادة تنظيم منهجية الرقابة على المال العام، وعزم الدولة على فتح طرق التنمية التي أثر عليها الفساد في بعض المراحل؛ ومن ثم استعادة ما تم نهبه من عهد ومنقولات حكومية تحت تصرف شاغل الوظيفة العامة. كذلك استرداد ما تقاضاه أولئك المسؤولون من عملاء مؤسساتهم على سبيل "الرشوة" من أجل تسهيل إنجاز معاملات غير نظامية. لقد تجاوزت المبالغ التي ذهبت لجيوبهم الخاصة أكثر من مليار ريال.
على حد علمي، لم يكن يجرؤ أي موظف من الجهات الرقابية حتى الاقتراب من أسوار بعض كبار الموظفين الذين ظهر عليهم ثراء فاحش مقابل الدخل بالمزايا و"الشرهات". أيضًا حظر الإشارة إلى (الفاسد) بزعم صيانة (هيبة الدولة) منه انطلق ماراثون الفساد.. كنا نسمع عن "هدايا" تلقاها قيادات في مناصب رفيعة، منها سيارات فارهة، قدمها مقربون ضمن الدائرة الضيقة، وآخرون؛ بمناسبة المولود الجديد، وعيد ميلاده، فضلاً عما طالته أيديهم من أموال نقدية ومنقولات، وغيرها من ممارسات منحت من لا يستحق ما لا يملك.. إذ رفعت أقوامًا بغير حق، كما وضعت أقوامًا ظلمًا وعدوانًا.
حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أبي حميد الساعدي، قال استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه فقال: هذا ما لكم وهذا هدية. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا". ثم خطبنا فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول هذا ما لكم، وهذا هدية أُهديت لي. أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته. والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر". ثم رفع يده حتى رُئي بياض إبطه يقول: "اللهم هل بلغت". بصر عيني وسمع أذني حفظ.
إن مجرد فتح أدراج مكاتب المسؤولين بحد ذاته (هيبة) للدولة، ونذير لكل من تسول له نفسه الاعتداء على المال العام.