على الرغم من مرور نحو 50 عامًا على إنشاء صندوق الاستثمارات العامة، وإسهامه عبر سنوات في إنشاء عدد من كبرى الشركات في السعودية؛ فإنه أصبح ضرورة قصوى في السنوات الأخيرة في ظل استهداف المملكة تنويع الاقتصاد، وتطوير هيكل الإنتاج، وخلق قطاعات جديدة مولدة للدخل؛ بحيث ينخفض الاعتماد الكلي على إيرادات قطاع النفط في عالم يشهد تحولًا كبيرًا نحو عصر ما بعد النفط.
فقد كان لقرار خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ربطَ الصندوق بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومن ثم إعادة تكوين مجلس الإدارة ليصبح برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ بالغ الأثر، وحمل نظرة بعدية للقائد، واستشعارًا لأهمية الصندوق للمستقبل الاقتصادي للبلاد، بعد أن منحت تلك الخطوة الصندوق صلاحيات أهم، وكلفته بمهام أشمل، وقلدته مسؤوليات وطنية استراتيجية كأحد برامج تحقيق رؤية 2030 النوعية.
ولقد نمى دور الصندوق في حقله الاقتصادي بوتيرة متسارعة منذ ذلك الحين في ضوء الاستراتيجيات العريضة التي أقرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ وذلك في سياق الجهود المبذولة لدفع عجلة التنمية، وعبر إسهام الصندوق الفعال في تنمية الاقتصاد المحلي، وتوسيع محفظته من الأصول الدولية؛ مستثمرًا في القطاعات والأسواق العالمية، وفي تكوين الشراكات الاستراتيجية وإطلاق المبادرات الكبرى؛ لتحقيق أهدافه، وتعظيم العائدات المستدامة على الاقتصاد السعودي؛ بما ينسجم مع الأهداف الطموحة التي تتوخاها رؤية 2030.
أهم الاستثمارات والدولية
ينشط الصندوق في الأسواق العالمية عبر سلسلة من الاستثمارات الكبرى في العديد من القطاعات الحيوية، ومن أبرز الاستثمارات الكبرى للصندوق التي يمكن إلقاء الضوء عليها:
1- صندوق رؤية سوفت بنك (صندوق الرؤية)
يستثمر صندوق الاستثمارات في صندوق رؤية سوفت بنك، الذي يُعد أكبر صندوق استثماري في قطاع التقنية الجديدة؛ وذلك من خلال كونه المستثمر الرئيسي، وصاحب أكبر التزام في الصندوق بمبلغ يصل إلى 45 مليار دولار.
2- برامج الاستثمار في البنية التحتية الأمريكية
يشارك الصندوق السعودي في برنامج مختص للاستثمار في قطاع البنية التحتية في الولايات المتحدة لشركة (بلاكستون)، بمبلغ يصل إلى 20 مليار دولار.
3- مبادرة صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة
وقّع صندوق الاستثمارات ونظيره الصندوق السيادي الروسي سلسلة من الاتفاقيات لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في مشاريع روسية- سعودية مشتركة، كما تم استثمار أكثر من مليار دولار منها في قطاعات مختلفة.
4- برنامج الاستثمار في الملكية الخاصة الفرنسية
يستثمر الصندوق في برنامج الملكية الخاصة الذي يركز على فرنسا بشكل خاص، وأوروبا بشكل عام، وتشمل الصناديق تحت هذا البرنامج مزيجًا من صناديق النمو، وصناديق الاستحواذ بالدين، وصناديق الدين الخاص.
5- الاستثمار في شركة أوبر
استثمر الصندوق مبلغ 3.5 مليار دولار في شركة أوبر الرائدة في قطاع النقل مقابل حصة 5%، وأصبح لدى الصندوق ممثل في مجلس إدارة الشركة.
6- شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار
أسست شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار المساهمة العامة المحدودة، وهي مملوكة بنسبة 90% لصندوق الاستثمارات، وبنسبة 10% من قِبَل مجموعة من البنوك الأردنية.
استثمارات متنوعة
لا تتوقف استثمارات صندوق الاستثمارات العامة عند هذا الحد؛ إذ ينوع برنامج الصندوق مصادر الثروة والدخل عبر المساهمة في استثمارات عالمية؛ حيث يستثمر الصندوق في العديد من الشركات الكبرى الأخرى، ومنها على سبيل المثال شركة (Hapag-Lloyd)، ويمتلك الصندوق نسبة 10% منها، وهي شركة دولية تقع في ألمانيا، وتعمل في مجال النقل. كذلك يمتلك الصندوق نسبة 38% من شركة (POSCO E$C)، التي تعمل في مجال الهندسة والبناء، ومقرها جمهورية كوريا.
فضلًا عن الاستثمارات الأخرى في شركات مثل "بي بي" البريطانية للنفط، و"توتال" الفرنسية للنفط، و"إني" للنفط الإيطالية، و"سنكور إنرجي" للطاقة الكندية، وشركة الهولندية للسفر والسياحة، وغيرها في قائمة لا تنتهي من الحصص والأسهم في كبرى الشركات العالمية، وهي حصص متغيرة باستمرار، معرضة للنمو والمضاعفة، أو التقليص، والتخلي.
كما يمتلك الصندوق نحو 26 شركة سعودية بالكامل، ومنها شركة نيوم المسؤولة عن تطوير مشروع نيوم الضخم شمال غرب المملكة، والذي أطلقه ولي العهد باستثمارات تتجاوز نصف تريليون دولار.
ويمتلك الصندوق عدة شركات لتطوير قطاع السياحة والترفيه والضيافة بالمملكة؛ من أبرزها شركة البحر الأحمر للتطوير، وشركة أمالا، والقدية، وشركات أخرى لتوطين الصناعات مثل السعودية للصناعات العسكرية، وغيرها.
هل حقق أهدافه؟
وينبغي الإشارة هنا إلى كلمة ولي العهد قبل أيام قليلة، والتي أفرد فيها مساحة للحديث حول الإنجازات التي تحققت عبر صندوق الاستثمارات العامة، ومدى أهميته للاقتصاد السعودي، بعد أن استطاعت القيادة مضاعفة حجمه من 560 مليار ريال إلى ما يزيد على 1.3 تريليون ريال تقريبًا، في خطوات ثابتة نحو تحقيق هدف الرؤية بأن تتجاوز أصوله 7 تريليون ريال.
كما بيّن الأمير أن عائدات بعض استثمارات الصندوق تجاوزت 70% و140% في تغيير استثنائي أدخل مداخيل مستدامة غير مسبوقة.
كما أسهمت استثمارات الصندوق في خلق أكثر من 190 ألف وظيفة، من خلال استثمارات محلية بلغت 311 مليار ريال خلال السنوات الأربع الماضية.
وتوقع ولي العهد أن يضخ الصندوق ما يقارب 150 مليارًا سنويًّا في الاقتصاد السعودي في عامي 2021 و2022، وبازدياد سنوي حتى عام 2030؛ حيث سيتم توفير هذه السيولة من خلال تسييل وإعادة تدوير استثمارات الصندوق للدخول في فرص جديدة، وخلق دورة اقتصادية محلية تمكن من بروز قطاعات جديدة، والمساهمة في توفير إيرادات جديدة للدولة.