قال المحلل السياسي والعسكري اللواء ركن متقاعد حسين معلوي: إن العالم كله شاهد اجتماعين بارزين لمجلس الأمن الدولي يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين لمناقشة فصل جديد من إبادة الشعب العربي السوري وتهجيره؛ ليتم إلحاقه بمن سبقه من الشعوب العربية التي تمت إبادة كياناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية قتلًا وتهجيرًا وتهميشًا؛ لأنها كانت تتطلع إلى ممارسة حقوقها السيادية الشرعية الطبيعية على أوطانها العربية.
وأكد "معلوي" أن ما حدث للبلدان العربية في الأحواز وفلسطين والعراق وسوريا، وما سيحدث لغيرها في المستقبل إنْ لم يستعدّ العرب لمقارعة ما يُدبر لهم بليل وينفذ بابتسامات وضح النهار، هو نتيجة لمخططات عنوانها إعادة استعمار البلدان العربية، كما أوضح ذلك وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كسينجر في مقابلته مع جريدة "ديلي سكيب" الأمريكية الذي أوضح فيها أن الغرب يخطط لإعادة استعمار البلاد العربية وأن أمريكا تخطط للاستيلاء على "٧" دول عربية لما فيها من ثروات.
وأضاف: لقد أوضح الأمير خالد الفيصل في كلمته أمام منتدى الفكر العربي السادس عشر في أبو ظبي عندما ذكر وكأنه يردد كلمات زعيم التضامن الإسلامي والده الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله: "لا يحسد اليوم من يقف على منبر العروبة متحدثًا، ولا من يتقدم صفوف المسلمين مدافعًا، فلقد ظلمنا الإسلام وشوهنا صورة المسلمين وخذلنا العروبة وهجرنا العرب.. لاجئين"، ثم قال: "انهضوا أيها العرب واستيقظوا أيها المسلمون، لا تسمحوا للاستعمار أن يعود ولا للتقسيم أن يسود، فعّلوا مشروع التكامل والبناء، وأعملوا العقل لا عدمتم الذكاء، واستعينوا بالعلم والصبر والإيمان على البلاء".
وتابع: إن ما ذكره الأمير خالد الفيصل يعبر عن الواقع الأليم والمحزن للأمة العربية والإسلامية. كما أن كل ما يحدث للعرب حسب آراء المراقبين والمتابعين والمحللين بسبب سياسات بعض قادة وحكومات العالم العربي والإسلامي السيئة واللاوطنية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وعبر العقود التالية لتلك الحقبة، وحتى يومنا هذا؛ رغم أن الملك والزعيم العربي والإسلامي الملك فيصل -طيب الله ثراه- طالب العرب والمسلمين بالتضامن والتكاتف لنصرة قضاياهم والدفاع عن أوطانهم.
وأكمل: على سبيل المثال: بشار الأسد ووالده من قبله لم يفد شعبه بشيء أثناء حكمه سوى التسلط والإذلال وتدمير لبنان، وفِي النهاية دمر بشار شعبه وأرضه وحضارته من أجل بقائه وعصابته على الكرسي، واستدعى القوى الكبرى وأعداء الأمة لاستعمار سوريا مرة أخرى.
وقال معلوي: أما رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح عفاش، فدمر اليمن ولم ينجز خلال "٣٣" عامًا من حكمه لليمن سوى الفقر والجهل والمرض، ثم سلم اليمن للحوثيين عملاء إيران، وكافؤوه بقتله شر قتلة، أما في ليبيا فلم يكن هم الرئيس الليبي السابق الذي يسمي نفسه عميدَ الزعماء العرب وملك ملوك أفريقيا "معمر القذافي" إلا التلذُّذ بداء العظمة لدرجة أنه خاطب شعبه بعبارة: "من أنتم؟"؛ لأنه كان يرى أن الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الديموقراطية الشعبية العظمى بلا شعب لا يوجد فيها إلا هو وكتابه الأخضر.
وأردف: أما صدام حسين فلا ينكر أحد أن العراق في عهده كان متقدمًا في جميع الحقول، وأنه كان بوابة الصد الشرقية للتوسع الفارسي الصفوي وتصدير الثورة الخمينية، ولكن جريمته باحتلال دولة الكويت لا تغتفر، وقد أدت إلى أن يغدر به شريحة من شعبه وجيشه وأصدقائه؛ فتم تدمير العراق واحتلاله وتسليمه من المحتل الأمريكي على طبق من ذهب لإيران التي حاربها صدام "٨" سنوات عجاف.
وواصل: إنها سلسلة طويلة من تصرفات الزعماء الأكروباتيين العرب غير المسؤولة التي آلت نتائجها بأوطان هؤلاء الزعماء وبالأمة العربية إلى هذا المستوى الحزين الذي سيعيدها إلى عصر تقسيم دولها وإعادة الاستعمار الجديد بعد أن تراجعت التنمية في هذه البلدان المدمرة إلى الوراء عقودًا من الدهر طويلة.
وقال معلوي: حتى تكتمل الصورة لإعادة الاستعمار الجديد فقد لاحظ المراقبون في مجلس الأمن أن هذا المندوب يشجب والآخر يستنكر وذاك يهدد والآخر يدافع، والوطواط مندوب النظام يشاكس، وكل ذلك لأنهم اختلفوا فقط على استخدام إحدى وسائل القتل للشعب السوري؛ وهي وسيلة الإبادة بالأسلحة الكيماوية، وكلهم يقولون: لا حاجة لها الآن؛ لأن الوضع منتهٍ بالحسم العسكري، أما ما عداها مثل الضرب بأشد أنواع الأسلحة دمارًا بالقصف الجوي الروسي وبوارج ومدمرات الروس البحرية ومدفعيتهم البرية وصواريخهم العابرة للقارات وقاذفاتهم الاستراتيجية، علاوة على طائرات النظام وإلقائها البراميل المتفجرة والقصف المدفعي والصاروخي الإيراني والسوري وحزب الشيطان؛ لتتقاسم جميعها جريمة إنسانية وحضارية كبرى تمثلت في إبادة الشعب السوري وهدم المدن السورية على رؤوس ساكنيها؛ فهذا كله حلال وجائز ومباح في شرائع الاستعمار التي عنوانها بلا جدال: "شريعة الغاب"؛ للقضاء على العرب في أوطانهم باستخدام جحافل العملاء من الشبيحة وداعش التكفيرين والقاعدة والروافض وغيرهم.
وأكمل: عندما يتساءل المتابعون: لماذا كل هذه الوحشية الهمجية؟ يأتيهم الجواب عملًا وليس قولًا.. لأن السوريين عرب سنة لا بد من زوالهم، هكذا يريد المجوس والمسيحيون المتصهينون واليهود الصهاينة الماسونيون؛ حتى يتم تقسيم هذا البلد ويأخذ كل طرف مستعمر نصيبه من الكعكة، وتحول سوريا إلى دويلات ذات تبعية لأنواع الاستعمار الجديد.
وقال: إن استخدام الروس والإيرانيين ونيرون سوريا العميل، للسلاح الكيماوي ضد الشعب السوري في مدينة "دوما" السورية ومن سبقها من المدن السورية مثل خان شيخون وغيرها؛ هو تطبيق لسياسة الرعب والترويع والإذلال للمدنيين من أبناء الشعب السوري السنة لإفنائهم أو لإجبار من بقي حيًّا منهم رغم القصف والجوع والفقر والمرض والحصار على مغادرة وطنهم وهم مرعوبون أذلاء صاغرون بحيث لا يفكرون بالعودة إلى أرضهم مرة أخرى؛ يدعمهم في ذلك قانون الأسد الجديد بأن على من يدعي تملك العقارات التي هدمت على رؤوس ساكنيها في المدن السورية أن يتقدموا بوثائق تملكهم للجهات الرسمية من شبيحة النظام في مدة أقصاها "٣٠" يومًا، متجاهلًا -هذا الطاغية- أن تلك العقارات هدمت على رؤوس ساكنيها وأنهم استشهدوا تحت الأنقاض، وأن من بقي من الأحياء إما أن يكون في سجون النظام أو مهجرًا أو مهاجرًا أو لاجئًا خارج سوريا هربًا من بطش فروع الأمن العسكري للشبيحة، أو مطاردًا؛ لأنه مطلوب لهم لغرض التصفية والإبادة.
وأردف: لقد لاحظ المراقبون أن جميع المندوبين في اجتماع مجلس الأمن ليلة البارحة لم يتطرقوا إلى الاحتلال الروسي والإيراني والتركي لسوريا ولَم يتطرقوا إلى القصف الجوي الصاروخي الروسي على المدنيين في المدن والقرى السورية، وكأن هذا العدوان الغاشم مشروع وجائز ومباح.
وواصل: إن المناظر التي نقلتها وسائل الإعلام العربية والعالمية لجثث الأمهات والآباء والأطفال، تعتبر طعنة قوية وغادرة في ضمير الإنسانية وكل المعاهدات والمواثيق والشرائع الدولية، وهي أكبر من قدرة تحمل الضحايا وأصحاب الضمائر الحية على النسيان.
وقال: الكل رأوا بأم أعينهم أولئك الأطفال الذين يغمضون أعينهم ويفتحونها لملاحقة أنفاسهم المتقطعة قبل أن يلفظوا أنفاسهم، لقد ماتوا وهم في حيرة لا يدركون ماذا جرى ولا يعرفون بأي ذنب قتلوا.
وتابع: تتكلم المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن عن ضرورة معرفة الوحش لمعاقبته، وهم يمتلكون أقوى استخبارات في العالم تعرف مسار الدواب على الأرض والطيور في السماء! ثم تهدد في نهاية كلمتها بأن أمريكا سترد، ولكن متى؟ والجواب: عندما تنهي روسيا والنظام السوري عملية إخلاء الأهداف الهامة من البشر والأسلحة والمعدات من مواقع الضرب الأمريكية المتفق عليها؛ حتى لا تضيع الجمال ولا يحاسب الحداة، وقد تعدل أمريكا عن التهديد بحجة الوصول إلى تفاهم وتعهد من روسيا بعدم التكرار وتشكيل لجنة تحقيق دولية، وضرورة انتظار النتائج، ولكن اللجنة لم تشكل بسبب استخدام روسيا وأمريكا حق النقض "الفيتو" ضد مشاريع كل منهم في مجلس الأمن؛ وبالتالي فإن الضربة الأمريكية محتملة، خاصة بعد تصريح الرئيس الأمريكي ترامب بأن "على روسيا استقبال صواريخنا الجديدة".
وأكمل: أمريكا مستنفرة وروسيا نافرة والعالم كله يترقب قدوم الصواريخ الأمريكية والردود الروسية، والشعب السوري يدفع ثمن تجارب الشرق والغرب للأسلحة الجديدة فوق رأسه وعلى مدنه وقراه، أما روسيا فقد ظهر مندوبها في أبشع موقف إنساني؛ لأن بلده روسيا قد استمرأت الولوغ في دماء الشعب السوري وإلغاء هويته العربية وتدمير حضارته ومنجزاته بطريقة سادية تتناسب تمامًا مع ما تريده إسرائيل الصهيونية وإيران المجوسية الصفوية وأذرعها العسكرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وتابع: إنها المؤامرة الممنهجة التي اتضحت منذ زمن طويل بألف دليل وحجة؛ ومنها ما ذكرتها المندوبة الأمريكية "نيكي هلي" عندما قالت في كلمتها: سمحنا لروسيا بإزهاق الأرواح وهي تقدم السلاح والموارد للأسد، ولَم نسمح لها باستخدام الكيماوي.
وتناست السيدة هيلي أن أمريكا هي من منع تزويد الشعب السوري بالسلاح والأراضى والمضادات الجوية للدفاع عن نفسه وحاضره ومستقبله.
وقال: لقد قال مندوب فرنسا في مجلس الأمن موضحًا الخيارات المتاحة فقال: "النظام الدولي أو الفوضى -الحياة أو الموت- التحضر أو الهمجية"، ولكن هذه العبارات لم يختر منها العالم الغربي والعالم الشرقي للشعب السوري إلا خيارَ الفوضى والموت والهمجية.
واختتم: لقد قادت السعودية منذ زمن الملك عبدالله رحمه الله، ومعها بعض الدول العربية والإقليمية والأجنبية؛ حملات قوية لحل الكارثة السورية التي تسبب بها نيرون سوريا بشار الأسد وأتباعه، ولكن الدول الكبرى لم ترد لهذه الحملات والمحاولات الجادة أي نجاح، بل قامت باختطاف قضية الشعب السوري الذي يطلب الحرية والعدالة والمساواة، وحولتها إلى إبادة لهذا الشعب المظلوم الصابر، ثم اختزلتها إلى رغبتها في الاكتفاء بإبادة ما بقي من هذا الشعب بالأسلحة التقليدية والتقليل من استخدام الأسلحة الكيماوية لمن بقي منهم حيًّا.. لقد اختار الشعب السوري شعاره الصحيح منذ بداية ثورته ضد الظلم والظلام؛ عندما صرخ مستغيثًا: "ما إلنا غيرك يا الله". رحم الله الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الذي حاول بكل إخلاص أن يجنب الشعب السوري والدولة السورية نتائج سياسة نيرون سوريا بشار الأسد، ولكن هذا الأخير اختار أن يدمر سوريا العروبة أرضًا وشعبًا وحضارة وتاريخًا ومكتسبات.