انقسام حاد حول "العاصوف".. "المقرن والصِرامي": كشف "المستور" وحرّك المياه الراكدة

"عبد اللطيف والمنيف": بل يشوه صورة المجتمع السعودي.. ولا يمثلنا
انقسام حاد حول "العاصوف".. "المقرن والصِرامي": كشف "المستور" وحرّك المياه الراكدة

وقع انقسام حاد بين كتاب الرأي السعوديين حول مسلسل " العاصوف" الذي تعرضه فضائية " إم بي سي"، ويتناول صورة المجتمع السعودي في السبعينيات وبداية الثمانينيات، فيرى بعض الكتاب أن المسلسل قد كشف "المستور" وتسبب بصدمة، وحرّك المياه الراكدة، فأثار الجدل، فيما يرى آخرون أن المسلسل "لا يمثلنا"، لأنه تجاوز قيم وأعراف المجتمع، وشوه صورة المجتمع السعودي، كما أنه ضعيف فنياً من حيث الحبكة والإيقاع والحوار.

جدل

وفي مقاله "العاصوف ونقد الثقافة الاجتماعية" بصحيفة "الوطن"، يقول الكاتب الصحفي سطام المقرن "أثار مسلسل العاصوف جدلاً واسعاً في المجتمع السعودي بين مؤيد ومعارض لفكرة هذا العمل الفني الذي يرصد تاريخ المملكة في سبعينيات القرن الماضي، والتحولات الاجتماعية والدينية والفكرية التي صاحبتها في تلك المرحلة، حيث يرى المعارضون أن المسلسل يحاول تشويه صورة المجتمع في الماضي، وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض السلبيات مثل مشهد الطفل اللقيط، والخيانة الزوجية، مما يعتبر ذلك هجوماً على القيم والمبادئ والعادات، وبالتالي تشويه صورة المجتمع والنيل من خصوصيته.. أما بالنسبة للمؤيدين للمسلسل فيرون أن لكل مجتمع بشري إيجابياته وسلبياته، والسلبيات التي تناولها المسلسل موجودة في أي مجتمع على مر التاريخ، والبشر ليسوا ملائكة معصومين من الخطأ والآثام، والهجوم على «العاصوف» في رأيهم هو مجرّد تصفية للحسابات القديمة وعدم كشف الحقيقة ومحاولة لإيقافه، لأنه يؤثر في الرأي والمجتمع ويفضح الخطاب المتطرف".

حرّك المياه الراكدة

ويعلق المقرن قائلاً "لقد حرّك مسلسل العاصوف المياه الراكدة، وحرّك الجمود الفكري تجاه المشاكل والقضايا الاجتماعية الغامضة والمجهولة، وينبغي علينا مراجعة ما كنا قد تعلمناه، وتصحيح قضايا تاريخية واجتماعية متوارثة أسيء فهمها عبر الأجيال، ومن واجبنا مواجهة مشاكلنا الاجتماعية بكل شجاعة وشفافية وسلوك النهج العلمي الموضوعي في البحث، فالاعتراف أولاً بهذه المشاكل هو بداية الطريق لحلها ومعالجتها".

الصِرامي: نعم حرّك المياه الراكدة

وفي مقاله "العاصوف.. لا يزال في أوله..!!" بصحيفة "الجزيرة"، يؤيد الكاتب الصحفي ناصر الصِرامي ما ذهب إليه سطام المقرن من أن مسلسل العاصوف قد حرّك المياه الراكدة، يقول الصِرامي "مسلسل مثل العاصوف.. عصف بذاكرة البعض مع مشاهد لم يكونوا يتوقعون ظهورها على السطح.. فيما عصف بآخرين لأن خيالهم عاجز عن توقع مثل تلك المشاهد في حقبة ماضية، نتيجة لذاك الخطاب الأحادي الذي ظل ولا يزال يحاول رسم صورة مبالغ في مثاليتها للمجتمع، متجاهلاً أن لكل مجتمع صوراً خاصة ومتفاوتة ومتناقضة أيضاً".

هجوم متعمد

ويضيف الصِرامي "الاحتقان المتشدد الذي نسمعه من البعض في مواجهة العاصوف، هو هجوم متعمد ضد الفن أصلاً، وضد المشاركين فيه، مخلوط بمشاعر غير إيجابية ضد القناة المقدمة للعمل (إم بي سي)".

لا يزال "العاصوف" في أوله

ويستدرك الصِرامي قائلاً "لكن لا يزال عصف العاصوف في أوله، الأجزاء التالية ستكون ملفتة وجدلية ومثيرة في كشفها والتقاطاتها ونبشها لمشاهد استثنائية من الماضي، لكنها في نفس الوقت حقيقية.. حتى وإن أربكت أو أزعجت البعض.. أتمنى لكم متابعة ممتعة".

كشف "المستور"

وفي مقاله "لماذا نخاف من العاصوف؟" بصحيفة "الرياض" يرى الكاتب الصحفي فاضل العماني أن الخوف من مسلسل " العاصوف "، حدث لأنه كشف "المستور" وصدمنا بحقائق حقبة ما قبل الصحوة التي لا يزال كثيرون يخشونها، يقول العماني "لماذا نخاف من العاصوف؟ يبدو أننا كمجتمع محافظ لا نُريد أن نقترب كثيراً من الحقيقة، لأنها قد تكشف «المستور» الذي نحاول إخفاءه. هناك من يخاف من الحقيقة لأنها مرة وصادمة، وتُظهرنا كبشر طبيعيين، نُمارس حياتنا بكل عفوية وتلقائية، نرتكب الأخطاء، نميل للتمرد والمغامرة، ونُريد أن نعيش الحياة التي تُشبهنا، بعيداً عن التشدد والتزمت، فضلاً عن المثالية والملائكية".

هكذا كنا قبل "الصحوة"

ويضيف العماني "في حقبة ما قبل «الصحوة»، كان المجتمع السعودي أكثر انفتاحاً وتسامحاً، تسوده المحبة والألفة، يُجسد الاندماج والتعايش، ويقبل الآخر والمختلف. في تلك الحقبة الجميلة من تاريخ الوطن، لم تجد الإيديولوجيات الكريهة أو الأفكار المتطرفة مكاناً لها وسط الشخصية السعودية النقية. لم نكن نهتم بطائفة أو مذهب الآخر، بل لم نكن نعرف حتى بتلك الفروقات الوهمية التي كرّسها عرّابو الصحوة فيما بعد. كنا نعيش حياتنا بكل بساطة وتسامح، حتى زارتنا تلك الأفكار والمظاهر الدخيلة، وانتشرت كالنبت الشيطاني ثقافات الكراهية وعناوين التشدد".

نحن بحاجة للكثير من العواصف

وينهي العماني قائلاً "كم نحن بحاجة للكثير من العواصف -وليس لعاصوف واحد- ليُحرك ويُغربل الكثير من عاداتنا وقناعاتنا وأوهامنا وسلوكياتنا التي شوهت حياتنا الطبيعية المسالمة التي آن لنا أن نستعيدها، ألا يكفي كل تلك العقود التي سُرقت منا؟".

رمضان شهر عبادة وليس موسم دراما

وعلى الجانب الآخر، وفي مقاله "موسم العواصيف" بصحيفة " الجزيرة" يرى الكاتب الصحفي د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف، أن القنوات الفضائية حولت رمضان من شهر للعبادة إلى موسم للدراما التي تشوه المجتمع وتمتلئ بالتجاوز للقيم والأعراف شكلاً ومضموناً، ويقول "لم يختلف هذا العام عن سابقه، لكن سقف تجاوز القيم والأعراف ارتفع شكلاً ومضموناً، وظهرت علينا مسلسلات تطرح شخصيات تشرب الكلونيا، أو تستنشق البنزين، وأخرى تدور بعض أحداثها حول اللقطاء والعلاقات الحميمية مع الجيران وغير ذلك من مواضيع".

موضوع قديم

وفي إشارة إلى مسلسل "العاصوف"، يقول عبد اللطيف "بعض المسلسلات صرف عليه الكثير ليأخذ الطابع التقريري شبه الوثائقي لمجتمعنا في مرحلة ما قبل الثمانينيات. ولم يعرض من المسلسل إلا حلقات قليلة إلا أن الكثير من الناس توقع النهاية المنطقية لهذا المسلسل، موضوع ليس جديداً وسبق وصور في بعض الكتابات الأدبية وبعض الدراسات الاجتماعية العلمية، وهو أن المجتمع السعودي كان يعيش حياة أكثر انفتاحاً قبل أن يمر بفترة من التشدد الديني في الثمانينيات".

تشويه المجتمع السعودي

ويحذر عبد اللطيف من رسالات مضللة تحملها بعض المسلسلات وتنتهي بصورة مشوهة عن المجتمع، ويقول "المسلسلات وسيلة إعلامية لها مرسل ورسالة ومتلق، ولها مضامين تعرض بأشكال وصور مختلفة. وعندما يختل التوازن بين الشكل والمضمون، وبين الرسالة الإعلامية والمضامين الدرامية قد تنحرف الرسالة عن هدفها ويتم التركيز على الشكل لا المضمون. وهذه المسلسلات يشاهدها الجميع خارج مجتمعنا وتصل لكافة الدول العربية ولملايين المشاهدين ممن لم يزوروا السعودية ويفتقرون للخلفية المعرفية التي على ضوئها يمكنهم فهم الرسالة بالشكل الذي يريده منتجو المسلسل. ولذا قد تخلق لديهم صورة معممة مشوهة عن المجتمع السعودي".

تغيير صورة "السعودي"

ويرصد عبد اللطيف المطالبة بتغيير صورة السعودي السلبية، ولكن ليس بهذه الطريقة، ويقول "الجميع اليوم يطالب بتغيير الصورة السلبية النمطية عن المواطن والمجتمع السعودي التي تعرضت لكثير من سوء الفهم المتعمد، والتشويه الإعلامي الخارجي، أو في أفضل الأحوال للجهل وعدم المعرفة. والكاميرا التلفزيونية تعرض واقعاً يلامس الحقيقة لكنه واقع مختزل أحادي البعد؛ هذا في أفضل الأفلام الوثائقية فما بالنا بالدراما التلفزيونية! والتركيز في مثل هذه البرامج شبه التقريرية على نماذج اجتماعية محددة، وتضخيم صورتها بهدف التأثير الدرامي قد يفهم بطرق مختلفة ومن زوايا عدة. فالتصوير التلفزيوني يقدم جزءاً محدداً من المشهد أما الصورة العامة الكبرى فتضيفها مخيلة المتلقي. ولذا فيمكن القول إنه من الصعب أن يفهم مسلسل كهذا وغيره خارج المملكة بالصورة ذاتها التي أرادها منتجوه. بل إنه قد يفهم بطرق مختلفة ربما تكون سلبية من قبل شرائح المجتمع السعودي ذاتها، وخاصة الأجيال اللاحقة".

مطلوب حبكة درامية متقنة

وينهي عبد اللطيف قائلاً "يمكن القول إن الأعمال السينماتوغرافية الجيدة، بما في ذلك المسلسلات التلفزيونية، تحتاج لما هو أكثر من الإنتاج الضخم، أو التصوير الواقعي المتقن والمكلف، تحتاج لما هو أهم من ذلك وأصعب وهي الحبكة الدرامية المتقنة، والسيناريوهات والحوارات الدرامية العميقة التي تشكل لب العمل الفني التي تدور حوله أمور الإنتاج والإخراج الأخرى".

ضعيف فنياً

وفي مقاله "هل (العاصوف) يمثلنا؟" بصحيفة "الرياض"، يرى الكاتب الصحفي أمجد المنيف أن مسلسل "العاصوف" ضعيف فنياً من حيث الحبكة الدرامية وإيقاع الأحداث، والحوار، يقول المنيف "ما هو مزعج بالنسبة لي، وقد يكون مراداً عند آخرين، هو الرتم البطيء للعمل، والفراغات الكبيرة المعبأة بمشاهد وتفاصيل لا أهمية لها، لا تقوم بأي شيء سوى المرور بالوقت، والاستعانة بها للانتقال من بداية الحلقة لمنتصفها أو آخرها.. انتهى الثلث الأول من المسلسل ولا ولوج للقصة بشكلها العميق، يصاحبه عجز واضح في حبكتها الدرامية، وسير تسلسلها وتطور الأحداث، للدرجة التي تمكنك من إعادة ترتيب الحلقات، دون أن يؤثر ذلك في سير العمل أو فهم المتابع!".

حوار ضعيف

وحسب المنيف فإن "المشكلة الرئيسة، والتي اهتم بها غالباً، تتمثل في الحوار الضعيف، الضعيف جداً، كما أراه، لا يمكن لأي متابع أن يتذكر حواراً مما دار بين الممثلين، أو يخرج باقتباس منه، لأنه يعتمد بالدرجة الأولى على الارتجال، هكذا يبدو لي، والحديث العام التقليدي.. رجل دين، ومحامٍ، ومتخصص في السياسة، بالإضافة لدور كل واحد منهم في الأعمال التجارية والمسجد، ومع ذلك لم نجد حواراً يعكس المعرفة التي يجب أن تكون عليه هذه الشخصيات، كما لو كانت لم تتعلم أو تتغرب، فلم تمر (حسب رصدي) أي سياقات حوارية ذات تأثير، يمكن القول إنها مفصلة بعناية وإدراك".

ليست هكذا تكون الدراما

ويضيف المنيف "غاب عن القائمين بالعمل أن الجيل الذي يتابعهم هو جيل بمعايير عالية، يهتم بالأعمال العالمية ويلاحقها، ولديه شروط قاسية، ومقارناته كبيرة.. وأن جل المعولين على العمل كانوا يحنون لزمن انتهى، يفتشون عن شيء يشبهم، ربما وجدوا بعضه، لكنه لم يجدوا أرواحهم".

لا يمثلنا

وينهي المنيف قائلاً "لكل الذين يقولون إن العمل لا يمثلنا، أسألهم: من قال إنه يمثلنا؟! لا أحد يمثل أحداً، هذا الطبيعي، من تمثلنا هي الدولة، أو ما يمثلها في الحكومة، غير ذلك نتقاطع معه مثل الآخرين.. لا يجب أن نكون حساسين أكثر مما يجب".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org