أكد الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، أن أعظم حدث تاريخي خلال القرن الرابع عشر من الهجرة هو قيام المملكة العربية السعودية، تلك الدولة التي قامت على كتاب الله وسنة نبيه، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لم يكن بالأمر الهين في محيطٍ كان أبعدَ ما يكون عن شريعة الله، ولكن توفيق الله للمليك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، جعل من هذا الأمر ميسراً بأمر الله تعالى، فعمد -رحمه الله- على جمع الناس وتوحيد القلوب المشتتة والمتفرقة.
جاء ذلك خلال كلمته في افتتاحه اليوم الثلاثاء لفعاليات مؤتمر "الصحوة: دراسات في المفهوم والإشكالات" الذي تنظمه جامعة القصيم ممثلة بوحدة التوعية الفكرية ويشرف عليه الدكتور عبدالرحمن الداود، ويستمر لمدة يومين بمشاركة نخبة من المختصين في المجالات الشرعية، مشيراً أن هذه الدولة المباركة هي دولة دعوة إلى الله، قامت وستبقى بإذن الله بلاد دعوة إسلامية؛ حيث إنها تخصص الميزانيات العظيمة للدعوة الإسلامية وتبيان الحق، ومؤكدًا أن شعبها الكريم وُلد على الفطرة النقية والوسطية.
وقال: "إننا يجب أن نتوقف لمراجعة منعطف مهم في هذه العجالة؛ وهو أن نؤكد على ألا تستغل رسالة هذه الدولة ومنهجها وهي الدعوة إلى الله، من البعض في أهداف وأطماع أخرى تحيد بالهدف الأساسي والرباني من الدعوة إلى الله، إلى مسميات حزبية وجماعات لا تؤدي إلى خير الأمة وتوجهاتها الواضحة".
وأضاف: "الجميع يفرح ويشجع من يحتسب بالدعوة إلى الله ويتمنى للناس الهداية والاستقامة والعودة إلى الله، ولكن حري بنا الصدق بالنية، وسلامة المعتقد بالدعوة الربانية على منهج السلف الصالح وسماحة الإسلام ووسطيته، كما أن لكل مرحلة ظروفَها وأولوياتها، ومن وجهة نظر شخصية فإنني أرى أننا كمسلمين أمام تحديات عظيمة تستلزم منا صحوة مضادة لمن شوهوا سمعة الإسلام بالتطرف والقتل، والدمار، وهم مع الأسف من أبناء المسلمين المغرر بهم".
ودعا خلال كلمته أمام المؤتمر جميع المفكرين المسلمين إلى تبيان وسطية الإسلام واعتدال منهجه، بدون إفراط في الانحلال أو الانفتاح غير المنضبط وفق تعاليم ديننا الحنيف أو تفريط بالتشدد والغلو، مشيرًا إلى أن بلاد الحرمين هي مرجع يأتي إليها الحاج والمعتمر بأكثر من مليار ونصف مليار مسلم، بأمن وأمان وراحة بال، ومع ذلك تحكم الشريعة الإسلامية السمحة، التي تكفل للجميع حقوقهم، وتعاقب المختل دون تمييز لجنس أو لون، ومؤكدًا أن هذا هو سر قوتها ومناعتها، ونحن بإذن الله بمسيرتنا متمسكين بشريعتنا السمحة، كما يؤكد على ذلك دائماً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين.
وشدد الأمير فيصل على أهمية دور الجامعات ومحوريته في المسائل الفكرية؛ كونها تعتبر حاضنة مهمة ومؤثرة؛ حيث يتواجد فيها العلماء والأساتذة والمفكرون، والطلاب والطالبات الذين هم أرض خصبة للعلم، ويعول الكثير على أهمية دور جامعات المملكة، مشيرًا إلى أن جامعة القصيم تأتي في المقدمة بالعمل على رصد الأفكار وتحريرها من خلال الخطط العلمية والعملية وتحرير شباب الأمة من كل فكر منحرف، مجددًا الدعوة لإنزال نتائج وتوصيات هذا المؤتمر إلى الميدان والعمل على ذلك بالجد والاجتهاد خدمةً للدين والوطن، مقدماً الشكر لمعالي مدير الجامعة وجميع العاملين والمشاركين في هذا المؤتمر.
من جهته قال مدير جامعة القصيم الدكتور عبدالرحمن بن حمد الداود المشرف العام على المؤتمر: "إننا في مرحلة مهمة وحاسمة من التاريخ والمراجعة التي تمر بها بلادنا؛ سواء على المستوى الاقتصادي أو الفكري؛ لذا يأتي هذا المؤتمر العلمي الهام ليحاول أن يرسم لنا خارطة الوعي الصحيح والممارسات السيئة، وذلك عبر دعوة نخبة من العلماء والباحثين من أبناء مملكتنا الغالية؛ حيث ستتم من خلال محاوره مناقشة هذا المفهوم وتحرير هذا المصطلح المتلبس.
وأكد "الداود" أن الصحوة هي من أبرز المصطلحات التي تم تداولها قديماً وحديثاً في مجتمعنا، وتم من خلالها تمرير الكثير من الدلالات السلبية، إما في توظيف التدين نحو التطرف، أو نقد الممارسات الشرعية الصحيحة للتدين بوصفها مظهراً من مظاهر الصحوة، ولهذا كانت الحاجة ملحة إلى تناول هذا المصطلح عبر هؤلاء النخبة، والتعامل معه بطريقة علمية صحيحة.
وأضاف: "اليوم وفي ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين –حفظهما الله- أحوج ما نكون إلى التصحيح والمراجعة، وألا نستنكف من الاعتراف بوجود الخطأ والتقصير، وأن تبذل قصارى جهدنا في حماية شريعتنا السمحة من تيارات الغلو والتشدد التي تستغل العاطفة الدينية لدى بعض شبابنا بتحويلهم إلى خناجر مسمومة تطعنُ في خاصرة وطننا الغالي".
وتابع: إن ثوابت الشريعة في هذه البلاد -بحمد الله- راسخة شامخة؛ فدولتنا هي دولة الإسلام وهي حصن التوحيد وموئل الرسالة، وهي مهوى أفئدة المسلمين، فبلادنا لا تعرف الشعارات الكاذبة ولا تحسن التلون والتآمر كما يفعله غيرها، وأما قادتها فهم بحبل الله مستمسكون، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرون، ولا يستطيع أحد أن يزايد على حرصهم على شعائر الإسلام ورعايتهم لها.
كما أهاب "الداود" بالباحثين والمفكرين إلى أهمية أن يحقق هذا المؤتمر أهدافه العلمية التي أقيم من أجلها، وأن يكون علامة فارقة في العلم والتأصيل، ولن يكون ذلك إلا حينما يراعى في هذا التناول: المنهج العلمي الصحيح الذي يعتمد في المقام الأول على نصوص الوحيين من كتاب الله وسنة رسوله، ثم على الهوية الوطنية لهذه البلاد المباركة والولاء الصادق لقيادتها الرشيدة.
وقدم "الداود" الشكر والتقدير لأمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل على رعاية وافتتاح هذا المؤتمر، ولجميع من شارك وحضر، كما قدم الشكر للجان التنظيمية والعلمية ووحدة التوعية الفكرية، وجميع إدارات ووحدات الجامعة التي ساهمت في الإعداد والتنظيم.
ومن جانبه أكد الدكتور خالد بن عبدالعزيز أبا الخيل مشرف وحدة التوعية الفكرية وعميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في كلمته أمام المؤتمر، أن مهمة تحرير المستقبل من المصطلحات الفكرية وبيان مضامينها من أعظم المهمات وأصعبها في البحث العلمي ولكون الجامعة بما تملكه من خبرة بحثية عريقة وكفاءات علمية متميزة بحمد الله تعالى رأينا في وحدة التوعية الفكرية أن نخوض هذه المهمة الصعبة، فجاء هذا المؤتمر ليحلل ظاهرة الصحوة ويناقش هذا المفهوم الذي لم يزل فاعلًا في العقل الجمعي لدى كثير من الشباب بكل مضامينه ودلالاته.
وأضاف "أبا الخيل" أن الكثير من الكتابات في الساحة الثقافية اليوم تناولت هذا المصطلح وربما أوسعته شتمًا وهجاء، وهذا من جهته قد يكون سببًا لرواج الأفكار المتطرفة وتعبئة الحشود للدفاع عنها بلا وعي ولا بصيرة، وهذا ما حاولنا في هذا المؤتمر أن نتجاوزه ونتفاداه عبر التزام شرط العلمية والدقة في النقد والتحليل؛ وذلك بقصد النفوذ إلى أهوال هذا المصطلح وتحليل أنساقه في أكثر من 20 ورقة علمية أعدها علماء وباحثون من شتى الجامعات.
وألقى الدكتور هشام بن عبدالملك آل الشيخ الأستاذ في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ كلمة المشاركين عبر خلالها نيابة عنهم بالسرور والغبطة للمشاركة في هذا اليوم المبارك الذي يحظى برعاية أمير المنطقة الذي يجسد الرعاية الكريمة التي يحظى بها هذا المؤتمر العلمي من لدن قيادتنا الحكيمة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أعز الله بهما الدين وأهله وأبقاهما الله لنا ذخرًا.
وأشار "آل الشيخ" إلى أن هذه البلاد كما يحكي التاريخ، كانت مسرحًا من الفتن والحروب والنهب والسلب حتى أنعم الله على أهلها بحضور دعوة التوحيد على يد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب عليه رحمة الله، وبقيام الحكم بشريعة الله على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله، الذي نصر الله به الدين وأعلى به كلمة التوحيد وأعز به السنة ورفع الله به لواء مذهب السلف الصالح؛ حتى أصبحت هذه البلاد المباركة ولا تزال ولله الفضل والمنة مضرب المثل في الأمن والاستقرار، مشيرًا إلى أن بلادنا المباركة تنهج نهج الوسطية للأمة والاعتدال في الدعوة والتعليم والتوجيه والتربية والسياسة والاقتصاد بعيدة عن الإفراط والتفريط والغلو، معتمدة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح.