في مقاله "أسئلة كورونا" بصحيفة "الرياض" يرصد د. فهد الماجد تأكيد الإسلام على ضرورة الالتزام بالتدابير الاحترازية والوقائية التي تتخذها الدولة لمنع انتشار الوباء وتفشيه، لافتًا إلى أن التقيد بها واجب شرعي يثاب فاعلها، ويأثم من يخل بها، مطمئنًا المواطن أن صلاته في بيته تعدل صلاته بالمسجد جماعة في الأجر، بشرط واحد، إلى جانب العديد من الأسئلة والخواطر التي تشغل بال المواطن، يقول
د. فهد الماجد في هذه الفترة دارت عدد من الأسئلة، ومن المهم إزالة الاستفهام عنها، فمنها:
1- هل يجوز القول إن ما أصاب العالم من هذه الجائحة "كورونا" عقاب من الله تعالى؟
لا يجوز قول ذلك؛ لأن هذا من التألي على الله عز وجل، ولأنه لا يقطع بأن كل البلايا -سواء على المستوى الخاص أو العام- عقوبات؛ فإن منها: ما يكون ابتلاءً وتمحيصاً، ومنها: ما يكون رفعة للدرجات وتكفيراً للسيئات، وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة). ومنها: ما يكون امتحاناً للرضا والتسليم وتحقيق الإيمان بأقدار الله المؤلمة، والله تعالى يقول: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون). ومنها: ما يكون نعمة على الإنسان؛ بأن تصلح أحواله الدينية والدنيوية، وفي الآية الكريمة: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم).
كما أن البلاء العام قد يكون في حق البعض ابتلاءً، وبعضهم رفعة للدرجات، وبعضهم نعمة، فلا يجوز القطع العام على الجميع فيما لم نطلع عليه بخبر من ربنا كحال الأمم السابقة. أيضاً يقال: إن البلاء الذي يعم البشرية فيه من الحكم التي تقصر عنها عقولنا المحدودة، وكم من بلاء صار نقلة نوعية علمية في مسار الإنسانية؛ منذ أن قال الله تعالى عن أبينا آدم: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيه ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون). فلاحظ ماذا قالت الملائكة؟ ثم لاحظ: ماذا قال الله تعالى: (إني أعلم ما لا تعلمون).
ومن الفوائد التي قد تأتي من وراء كورونا: أن هذا الوباء قد يدفع البشرية إلى التفكير الجاد فيما يصلح أوضاعها ويرتقي بقيمها؛ لأنها أدركت بذلك: أنها في مركب واحد؛ لا سيما ما يتعلق بالثلاثي: "العلم والتكنولوجيا والمجتمع"، وكيف يكون التفاعل الإيجابي بين هذه العناصر بما ينفع الإنسان؟
2- في هذه الظروف: هل تعدل صلاة المسلم في بيته صلاته في المسجد جماعة في الأجر؟
نعم متى ما كان عازماً على الصلاة في المسجد حال انجلاء الوباء، وبذلك صدرت فتوى هيئة كبار العلماء مستندة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).
3- ما حكم من يقصد مسجداً مهجوراً للصلاة فيه، ويقول هذه استطاعتي، وكذلك من يصلون جماعة بجوار المسجد؟
كل ذلك من التنطع في الدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) والله تعالى يقول: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). وأهل الذكر أفتوا بناءً على نصوص شرعية ومقاصد كلية بأن المكلَّف في ظل هذا الوباء يصلي في بيته، ومن ثم فإن من يقصد هذا المسجد المهجور أو يسعى للصلاة مع جماعة جوار المسجد هو في سعيه هذا مأزور غير مأجور، وجهات التأثيم في فعله هذا متعدِّدة.
4- ثم مسألة تتعلق بجواز ترك غسل الميت بمرض معد إذا كان هذا المرض سينتقل إلى المغسِّل.
وهذه المسألة تتولاها دور الإفتاء في العالم الإسلامي، بحسب تواصل دار الإفتاء مع الجهات الصحية، وما تقدّمه في هذا الموضوع، إلا أنني أشير هنا إلى أن الفقه الإسلامي حافل بمعالجة كل القضايا التي قد تطرأ على المجتمع، فهذه المسألة على سبيل المثال: قررت المدونات الفقهية أنه ينتقل من تغسيل الميت إلى تيممه، وثَمَّ رواية للإمام أحمد أنه لا ييمم؛ لأن المقصود بالغسل التنظيف، والتيمم لا يحصل به ذلك، وحتى لو قيل بالتيمم؛ فإنه إذا قرر الخبراء خطورة التيمم أيضاً فإنه في هذه الحال يأخذ حكم من احترق فصار رماداً فلا يغسل ولا ييمم.
5- ما حكم الالتزام بالتدابير الاحترازية والوقائية لمنع انتشار هذا الوباء وتفشيه؟
الالتزام بهذه التدابير والتقيد بها واجب شرعي يثاب فاعلها، ويأثم من يخل بها؛ لعدد من الأمور:
أولاً: أن ذلك طاعة لولي الأمر، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). ثانياً: أن في ذلك مصلحة ظاهرة للجميع والشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. ثالثاً: أن في ذلك دفعاً للأذى عن الناس، والشرع جاء بدفع الأذى حتى في أقل الأمور، كما في الحديث: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
وأوصي في نهاية هذا المقال بكثرة الدعاء لولاة الأمر ولحكومتنا، إذ يبذلون جهوداً عظيمة لحماية البلاد والعباد، ما جعلنا في اطمئنان وأمان ولله الحمد، نسأل الله تعالى أن يرفع هذا الوباء وينشر العافية، ويجزي ولاة الأمر وحكومتنا خير الجزاء.