أسقطت الضربات الأمنية التي وجّهتها المملكة لتجار السموم البيضاء، الأقنعة الخبيثة لحزب الله اللبناني، الذي طالما استهدف بمخطط تلو الآخر، إغراق منطقة الخليج، والسعودية تحديداً، بملايين الحبوب المخدرة .
ضربات استباقية سعودية قوية ومتتالية وجّهتها على مدار عام 2021 للحركة الإرهابية؛ فضحت نهجاً مغايراً لأصول الحرب المعروفة على مر التاريخ، ليست خدعة أو تكتيكاً، إنما تستخدم المخدرات كحجر خبيث يستهدف به عصفورَين، الأول تدمير شباب الخليج عامة، والسعودية خاصة، والآخر تمويل عملياته.
الشهور القليلة الماضية شهدت عدداً من الضبطيات الضخمة لمخدر الكبتاجون في المملكة والإمارات؛ بل ولبنان قبل خروجها من البلاد، وفي كل واحدة منها حيلة مختلفة في التهريب، فالحركة الإرهابية باتت محترفة وتعرف كيف تمرر بضائعها المسمومة.
ولعل سلسلة أزمات المنطقة المتتابعة منذ عام 2011، أزاحت الستار عن قاعدة رئيسة تقول إنه كلما زاد تضييق الخناق على الميليشيات والحركات الإرهابية اتجهت بوصلة تطرفها إلى الحروب غير المشروعة، وفي مقدمتها تجارة المخدرات.
كما أن بياناً صدر في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي كشف عن توقيف شعبة مكافحة المخدرات بالمديرية العامة عدداً من الأشخاص المشتبه في قيامهم بتهريب حبوب كبتاجون إلى دول الخليج، ورصد شحنة من الحمضيات كانت بصدد التحضير لشحنها من مرفأ بيروت.
وفي التفاصيل، تبين أن الكمية الكبيرة المضبوطة من حبوب الكبتاجون كانت مخبأة ضمن فواكه اصطناعية في صناديق حمضيات بهدف التمويه، وهي عملية ثانية خلال ديسمبر نفسه؛ إذ سبقها إحباط عملية تهريب كمية كبيرة من أقراص الكبتاجون المخدرة داخل شحنة كبيرة من البُن من لبنان إلى المملكة عبر الأردن.
الرمان المسموم
كان العام الماضي حافلاً بضربات سعودية خليجية ناجحة للأيادي العابثة بأمن شبابها ومن خلال جرائم "حزب الله" مع التجارة غير المشروعة للمخدرات؛ حيث اضطرت المملكة في أبريل المنصرم لمنع دخول الفواكه والخضراوات اللبنانية أو عبورها من أراضيها.
لاحظت الجهات الأمنية في المملكة استهدافاً واضحاً للبلاد من قِبل مهرّبي المخدرات في لبنان؛ ما جعلها تتخذ وقفة لتطالب من خلالها بيروت بتقديم ضمانات موثقة لاتخاذ إجراءات لوقف تهريب المخدرات الممنهج.
ضربة استبقاية سعودية لأنشطة "حزب الله" اللبناني الإجرامية، المدعوم إيرانياً، أحبطت واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات التي وصلت إلى 2,466,563 قرص إمفيتامين مخدراً كانت مخفية داخل شحنة فاكهة الرمان قادمة من لبنان.
كشف "المؤامرة"
في سبتمبر 2021، كشفت وزارة الداخلية، عبر متحدثها الرسمي العقيد طلال الشلهوب، عن إحباط تهريب شحنة ضخمة من المخدرات إلى المملكة، يقف وراءها "حزب الله".
وقال إن المتابعة الأمنية الاستباقية لنشاطات الشبكات الإجرامية التي تمتهن تهريب المخدرات إلى المملكة، أسفرت عن إحباط محاولة إحدى شبكات إنتاج وتهريب المخدرات المرتبطة بتنظيم "حزب الله" اللبناني الإرهابي، لتهريب أكثر من 451,807 أقراص إمفيتامين إلى المملكة، بحراً من لبنان إلى جمهورية نيجيريا الاتحادية، مخبأة داخل معدات ميكانيكية، حيث تم بالتنسيق مع الجهات النظيرة بجمهورية نيجيريا ضبطها قبل شحنها إلى دولة أخرى وإرسالها إلى المملكة.
ونوّه المتحدث الأمني بالتعاون الإيجابي للجهات النظيرة بجمهورية نيجيريا الاتحادية في متابعة وضبط المواد المخدرة، مؤكداً أن المملكة مستمرة في متابعة النشاطات الإجرامية التي تستهدف أمن المملكة وشبابها بالمخدرات، والتصدي لها وإحباطها، والقبض على المتورطين.
أرقام مخيفة
وخلال عام 2021، أحبطت المديرية العامة للمخدرات، دخول 97.677.785 قرص أمفيتامين، وطن و23 كيلوجراماً من الحشيش.
وبحسب مركز التواصل الحكومي، فإن طرق التهريب تنوّعت بين شحنات مخبّأة بين الفواكه؛ كالرمان والعنب والبقوليات والتفاح والمانجو والذرة وأيضاً الهيل، إضافة إلى أن المجرمين يستغلون ألواح الحديد والخشب والأحجار وإطارات السيارات والخرسانة، لتهريب الممنوعات.
خريطة مصانع المخدرات
مع الحصار المالي الأمريكي الذي فرضته وزارة خزانتها على الأذرع الإرهابية لإيران، وفي القلب منها "حزب الله"، لم تجد تلك الحركات المتطرفة سوى "شرعنة" تجارة المخدرات وتوسيع خريطة إنتاجها خارج الحدود اللبنانية لتقام على الأراضي السورية في ظل الأوضاع الأمنية المتردية هناك.
وفضحت سلسلة من التقارير الإعلامية العالمية كثيراً من الأنشطة غير المشروعة لحزب الله وميليشيات إيرانية تتولى تصنيع وتجارة المخدرات؛ إذ اتهمت صحيفة إندبندنت البريطانية قيادات بميليشيا حزب الله بالوقوف خلف إنتاج كميات كبيرة وعالية الجودة من حبوب الكبتاجون المخدرة، بهدف تصديرها إلى بلدان مجاورة.
التقرير نفسه تحدّث عن إدارة الحركة اللبنانية عدداً من مصانع الأدوية لإنتاج آلاف الأقراص المخدرة بعد توقف تلك المصانع عن العمل في سوريا بسبب ظروف الحرب.
أما المعدات اللازمة لتصنيع الكبتاجون فقد تم نقلها من لبنان بوساطة عناصر "حزب الله"، والأغلبية العظمى منها مملوكة لشخص يدعى نوح زعيتر؛ المعروف بأنه تاجر مخدرات كبير؛ ما أدى إلى توسع عملية الإنتاج والتهريب في سوريا.
وفي ديسمبر الماضي، كشفت مجلة "دير شبيجل" الألمانية، عن أرباح تدرها تجار المخدرات على "حزب الله" تصل إلى 200 مليون دولار شهرياً، وتكون في أغلبها خارج المنطقة العربية؛ حيث تتولى الحركة الإرهابية عمليات نقل للمخدرات وبيعها في الخارج لمصلحة عصابات الكوكايين، وخاصة في كولومبيا.
لماذا ألمانيا؟
بعد سنوات من إعطاء الفرص السياسية لحزب الله كمحاولة ألمانية لحلحلة الأزمة اللبنانية المتصاعدة، فاجأت برلين العالم في نهاية أبريل 2021 بقرارٍ يحظر جميع أنشطة "حزب الله" بشكلٍ كاملٍ على أراضيها.
لم تدرك قيادات الحركة الإرهابية أن الضوء الأخضر الألماني لا يعني استغلال أراضي هذا البلد الأوروبي لسنوات فى جمع التبرعات وغسل الأموال والتجارة المشبوهة، وهو ما أكده تقرير لصحيفة "ذود دويتشه تسايتونج" عن شبكة إجرامية قوية لحزب الله في تهريب المخدرات وغسل الأموال.
وحددت السلطات الألمانية مسارات وضعتها قيادات "حزب الله" لتهريب المخدرات تصل إلى ألمانيا من أمريكا الجنوبية عبر قارة إفريقيا، وتحديداً عبر شحنات مواد مخدرة تصل لميناء هامبورج وموانئ أخرى؛ كروتردام الهولندي وأنتويرب البلجيكي.
واليوم ينظر كثيرٌ من دول العالم إلى لبنان (البلد) كضحية أكثر منه متورط، فالسلطات اللبنانية وقبل أن تغلق سنة 2021 صفحاتها كشفت عن ضبط شحنة حمضيات كانت متضمنة كمية كبيرة من الكبتاجون التي جرى إعدادها للتهريب إلى دول الخليج.