كرست المملكة -ممثلةً في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية- جهودها للمحافظة على استقرار المجتمع والتصدي لكل ما من شأنه زعزعة هذا الاستقرار كممارسة العنف الأسري، عبر مجموعة من الأنظمة والبرامج التي تقدّمها فروعها المختلفة؛ حيث خصصت مركز البلاغات الأسرية رقم (1919) لمعالجة هذه القضايا؛ بهدف تعزيز دور الأسرة القيادي للمجتمع وبناء مناخ مجتمعي متكامل يخلو من الجريمة والتشرد والضياع، وساعد في ذلك أن المجتمع السعودي يتمتع بمقومات لم تجعله يعاني من هذه الظاهرة العالمية مثل غيره لعدة اعتبارات.
قوة مفرطة و4 عوامل
وحول المقصود بـ"العنف الأسري"، يقول الباحث الأسري الدكتور خالد السبيت: "يُقصد بالعنف الأسري استخدامُ القوة المفرطة أو التهديد بها من قِبَل فرد أو جماعة تجاه شخص أو آخرين داخل المنزل، وهو سلوك مُجَرَّم في النظام، ومما هو معلوم أن "العنف الأسري" أصبح اليوم ظاهرة عالمية، تعاني منها جميع المجتمعات البشرية، والمجتمع السعودي ليس استثناء منها، وإن كان المجتمع السعودي يتمتع بمقومات جعلته يعاني من هذه الظاهرة بشكل أقل من غيره؛ بحيث يمكن إرجاعها بشكل عام إلى أربعة عوامل رئيسية".
وعن هذه العوامل، يوضح "السبيت: أولاً: المجتمع السعودي مجتمع متدين، وملتزم بالدين الإسلامي؛ مما يجعل المواطن يراقب الله عز وجل في أقواله وأفعاله، ويعرف أنه محاسب عليها في الآخرة؛ مما نسميه الرقابة الذاتية أو الضمير.
وثانيًا: تربى المواطن السعودي على معاني الرحمة والتآلف والتكاتف تحت مبادئ إسلامية أصلية تحض على الرحمة، من نحو قوله تعالى:( إنما المؤمنون إخوة) وقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقوله (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله) إلى غير ذلك من النصوص التي تؤكد على تأصيل الروابط القوية بين أفراد المجتمع.
وثالثًا: الروابط الأسرية القوية من شأنها أن تؤسس حماية لضحايا العنف الأسري؛ بل وترفض سلوكيات المعنف ابتداء؛ مما يجعله في أدنى المستويات بسبب مقاومة الأسرة الممتدة له.
ورابعًا: النظام السعودي الذي يجرّم العنف بمختلف أشكاله ويعاقب عليه بحزم، وتقدم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أدوارًا فعالة للحد منه والتصدي له، من خلال إدارة مختصة تُعنى بالحماية.
دور الدراسات
ويقول "السبيت" حول الدراسات المتخصصة وذات العلاقة بالقضية: "أوضحت مختلف الدراسات الإحصائية التي أقيمت في العديد من المؤسسات الأكاديمية أن ضحايا العنف الأسري هم من فئة الضعفاء نحو: المرأة، والطفل، وكبار السن، والمعاقين، وقد حفزت هذه الدراسات المؤسسات المعنية على إقامة برامج فعالة موجهة إلى الفئات المشار إليها؛ لدعمهم وإكسابهم مهارات معرفية وسلوكية تساعدهم في حماية أنفسهم من خلال رصد سلوكيات المعنّف في مراحلها المبكرة، والأدوات والوسائل التي ينبغي عليهم اتخاذها تجاه المحافظة على ذواتهم".
كما بيّنت الدراسات المتخصصة أيضًا بعض المؤشرات التي تدل أو تتوقع سلوك المعنف قبل وقوعه، نحو التنشئة الأسرية المتسمة بالعنف، أو الأسر التي تعاني من صراعات ومشكلات عنيفة، أو ابتليت بإدمان مواد محفزة للسلوك العنيف، أو وجود أشخاص ذوي سمات عدوانية، ونحو ذلك؛ مما جعل المؤسسات تتبنى برامج وقائية تساهم في الحد من وقوع حالات العنف من خلال العمل على معالجة الحالات حتى قبل حدوثها على أرض الواقع.
ويختتم الباحث الدكتور خالد السبيت قائلًا: "ساهمت الدراسات في إيضاح أن سلوك المعنّف هو سلوك سلبي تصاعدي طردي مع الزمن؛ بحيث يوضح أن الصبر على المعنف لن يأتي بخير على الضحايا؛ وإنما يلزم العمل على إنشاء برامج وقائية وإنمائية وعلاجية للمشكلات؛ بهدف التصدي لها في وقت مبكر".