رغم معاناتها من القسوة والعنف.. دراسة: لماذا تستمر بعض النساء في العلاقات المسيئة؟

رغم معاناتها من القسوة والعنف.. دراسة: لماذا تستمر بعض النساء في العلاقات المسيئة؟
تم النشر في

لماذا تستمر المرأة أحيانًا في علاقة تتعرض فيها للقسوة والتعنيف؟ سؤال حاولت دراساتٌ اجتماعية ونفسية عديدة الإجابةَ عليه عبر عقود طويلة؛ لكن الأبحاث الحديثة توصلت إلى أن العامل المادي يعتبر أهم أسباب استمرار النساء في العلاقات المسيئة في مختلف دول العالم.

العامل المادي أهم الأسباب

وفي مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الاثنين، حاولت الاقتصادية العمالية والأستاذة المساعدة في المالية واقتصاديات الأعمال في كلية مارشال للأعمال بجامعة جنوب كاليفورنيا، إميلي نيكس، الإجابة على ذلك السؤال، موضحة أن "العلاقة العنيفة لا تعني الاعتداء الجسدي وحسب".

وحسب موقع "الحرة"، أكدت "نيكس" وجود سبب بسيط يتم تجاهله باستمرار؛ وهو أن هؤلاء النساء لا يمكنهن تحمّل تكلفة مغادرة بيت الزوجية؛ لأن العلاقات العنيفة تشمل السيطرة الاقتصادية والمالية على الضحية، والتحكم في مصادر دخلها.

النساء في الدول العربية

وهذا الاستنتاج يتفق معه أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، قائلًا لموقع "الحرة": إن النساء في العالم بشكل عام، وتحديدًا في الدول العربية، تجبرهن الظروف المادية على الاستمرار في العلاقات المسيئة والعنيفة؛ وذلك في معظم الطبقات الاجتماعية المختلفة.

وأوضح أن الشخصية العنيفة تكون من سماتها الشخصية الأساسية، السيطرة والتحكم، ويتبلور هذا الأمر في تقليص المركز المالي والقوة المادية للطرف الآخر.

أين أذهب؟ وكيف سأعيش؟

وأشار إلى أن الأسئلة التي تأتي على أذهان النساء المُعنَّفات: كيف سأعيش؟ إلى أين سأذهب؟ وكيف سأنفق على نفسي وأبنائي؟

ووفقًا للأمم المتحدة، أبلغت 45% من النساء بأنهن أو نساء أخريات يعرفنهن، تعرضن لصورة ما من صور العنف ضد المرأة. وعبّرت سبع من بين كل عشر نساء عن اعتقادهن بأن التعنيف اللفظي أو الجسدي من قِبَل الزوج أصبح أكثر شيوعًا.

الانتهاك الاقتصادي

لكن "نيكس" أوضحت في مقالها لـ"واشنطن بوست" أن الأبحاث التي أجرتها مؤخرًا مع زملائها في جامعة أكسفورد وجامعة آلتو في فنلندا، على 14 ألف حالة عنف أسري؛ تؤكد ارتباط العلاقات العنيفة والمسيئة بالانتهاك الاقتصادي.

"والانتهاك الاقتصادي" هو مصطلح جديد لكنه لا يقل أهمية عن مصطلح العنف الجسدي، ومن الصعب فصلهما عن بعض؛ وفقًا لما قالته أستاذة علم النفس، ليلى معاطي، لموقع "الحرة".

التنشئة الاجتماعية

وأشارت "معاطي" إلى أن المجتمعات العربية تنشّئ الفتاة على ثقافة تقبل العنف الجسدي باعتباره أحد أشكال الخوف عليها وحمياتها، ومن ضمن هذا العنف يأتي التحكم في أمورها الاقتصادية.

ونرى في كثير من الدول العربية مثل مصر والأردن، حرمان النساء من ميراثهن بموافقة رجال -وحتى نساء- العائلة؛ باعتبارهن غير مؤهلات للحفاظ على ثروات العائلة.

الغيرة والعنف

وأوضحت "معاطي" أن معظم الفتيات في العالم العربي، أصبحن يتوارثن فكرة مجتمعية ضارة، وهي أن الغيرة التي تأتي من الرجل يجب أن تكون في صورة عنف جسدي، أو لفظي، أو حتى عاطفي (بمعنى إهمالها وتجنبها)، ونفس الفكرة توارثها الرجال.

وبعد الزواج ومرور سنوات على العلاقة، تتحول هذه الغيرة إلى عنف في المطلق لأسباب بعيدة عن الغيرة أو المشاعر؛ بحسب "معاطي".

إفقاد المرأة الثقة بنفسها

وأشارت "معاطي" إلى أن كثيرًا من الرجال يتبعون استراتيجية سيكولوجية معينة؛ لضمان السيطرة المادية على الشريكة، وهي إفقادها الثقة بنفسها من خلال التقليل منها ومن تفكيرها وقراراتها، حتى تتحول بالتدريج لتابع له.

وأشارت أستاذة علم النفس إلى أن الكارثة هي أن هذه السيكولوجية تنطبق على العديد من النساء من ذوات التعليم والجمال العالي.

وأوضحت الدراسة التي أجرتها نيكس، أن النساء في العلاقات المسيئة شهدن انخفاضًا كبيرًا في مكاسبهن وتوظيفهن، وانخفضت أرباحهن السنوية بنسبة 12%، وانخفض معدل توظيفهن بنسبة 26%.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق: إن العلاقات المسيئة التي يتخللها الانتهاك الاقتصادي، لا تشمل بوضوح العنفَ الجنسي؛ وهذا ما يستغرق النساءُ سنوات لإدراكه.

علامات بداية الإساءة إلى المرأة

وأوضح أن هذا الشكل من العلاقات يبدأ بعلامات محددة؛ أبرزها: محاولة إجبار الزوجة على ترك العمل سواء بالإقناع أو الإجبار، وتعمد الضغط عليها لإرباكها وإفساد مهنيتها في عملها وتأخيرها عن أداء مهامها الوظيفية، ومحاولة السيطرة على مصادر دخلها، سواء مرتبها أو ميراثها أو حسابها في البنك.

وأضاف "صادق" أن هذه السيطرة سيصاحبها بالتأكيد التحكم في العلاقات الاجتماعية؛ فمثلًا سيُبعد زوجته عن صديقاتها أو قريباتها اللاتي يشجعنها على العمل والاستقلال المادي.

موقف الأسرة

وأشار "صادق" إلى أن وقوف الأهل والأصدقاء ضد المرأة في العالم العربي عند طلبها الطلاق بسبب الوصمة الاجتماعية للمعنفة -باعتبارها فاشلة أو أقل من المتزوجات- تجعل النساء يفقدن الثقة في أنفسهن بسهولة؛ وبالتالي الاستسلام لابتزاز شريك الحياة وسيطرته.

وأوضح أستاذ علم النفس أن الانتهاك الاقتصادي يظهر في مختلف الطبقات الاجتماعية في أغلب الدول، وفي بعض الأوقات يكون الوضع أصعب في الطبقات الاجتماعية العالية في بعض دول الخليج؛ حيث تكون الخسائر المادية كبيرة جدًّا وقت الانفصال؛ وهو ما يصعّب قرار السيدات بالانفصال.

كيف نحمي المرأة؟

وبدأ المدافعون والخبراء وواضعو السياسات يدركون ببطء أن التركيز على العنف الجسدي لا يكفي لحماية الضحايا من الأذى، لهذا قنن الكونجرس الأمريكي عام 2022 "الانتهاك الاقتصادي" كشكل من أشكال الانتهاك لإعادة تفويض قانون العنف ضد المرأة. ومع ذلك لا يزال هناك كثير مما يتعين القيام به، بحسب "واشنطن بوست".

لكن "صادق" يرى أن الوعي المجتمعي والثقافي ودعم الفتيات لرفض السيطرة عليهن، لا يقل أهمية عن فرض القوانين التي تحمي النساء من العنف.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org