حذَّر المختص بقضايا الإرهاب، فضيلة الشيخ الدكتور راشد بن رمزان الهاجري، من ثلاثة تنظيمات إرهابية، تمول الإرهاب العالمي فكريًّا وماديًّا، هدفها الخروج على النظام، وتشوه الإسلام، وتفرق المسلمين. وأكد أن على الجميع محاربة تمويل الإرهاب، ويجب تضافر الجهود من المجتمع والجهات المعنية، وقطع مصادر تمويل الجماعات الإرهابية ودعمها، وتفعيل الآليات الدولية.
وقال الشيخ الهاجري لـ"سبق" إن المنظمات الإرهابية تكونت ونشأت في بدايتها كمنظمات سياسية سرية، تتسربل بالدين والإصلاح، وتتلخص مهمتها في السيطرة على مؤسسات المجتمع، بدءًا من المؤسسات الدينية والخيرية والإغاثية، وانتهاء بالمؤسسات السياسية، ثم تعمل على وأد الأمن وشيوع الإرهاب، وإن اختلفت أزمانها وتنوعت أماكنها، وتباينت شعاراتها، إلا أنها مشتركة في الفكر والهدف، ولا يختلف بعضها عن بعض.
وأضاف: ونذكر هنا أصل التنظيمات الإرهابية، وهي ثلاثة تنظيمات، تمسك بخيوط الإرهاب العالمي، وتتفرع منها عموم المنظمات الإرهابية في العصر الحديث، وهي: التنظيم الماسوني العالمي (الماسونية)، والتنظيم الصفوي، وتنظيم الإخوان المسلمين؛ فهو تنظيم عالمي يقوم على بيعة سرية، تقتضي الخروج على النظام العام، وتشويه الإسلام، والتفرقة بين المسلمين، وإشاعة الفوضى، والقتل والرعب والإرهاب باسم الإصلاح، كما هو في الثورات والمظاهرات والعصيان المدني، من خلال تمويل هذه المنظمات والكيانات الإرهابية.
وأشار إلى أن تمويل الإرهاب يبدأ بمد الإرهابيين أو المنظمات الإرهابية أو العمليات الإرهابية بمستلزماتها عالِمًا بذلك، ويعني ذلك كل فعل يتضمن جمع أموال، أو تقديمها، أو أخذها، أو تخصيصها، أو نقلها، أو تحويلها أو عائداتها كليًّا أو جزئيًّا لأي نشاط إرهابي، فردي أو جماعي، منظم أو غير منظم، في الداخل أو في الخارج، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، من مصدر مشروع أو غير مشروع، أو القيام لمصلحة هذا النشاط أو عناصره بأي عملية بنكية أو مصرفية أو مالية أو تجارية، أو التحصيل مباشرة أو بالوساطة على أموال لاستغلالها لمصلحته، أو للدعوة والترويج لمبادئه، أو تدبير أماكن للتدريب، أو إيواء عناصره، أو تزويدهم بأي نوع من الأسلحة أو المستندات المزورة، أو تقديم أي وسيلة مساعدة أخرى من وسائل الدعم والتمويل مع العلم بذلك.
وأشار "الهاجري" إلى أن مصادر تمويل الإرهاب الرئيسة تتقدم يومًا بعد يوم، وتبـيّن أن عمليـات تمويـل الإرهاب لا تقتصر عـلى عمليـات الإمـدادات الداخليـة التـي بمقتـضاها يقـوم بعـض الأشخاص الطبيعيـين وبعض الجمعيات والمؤسسات غير الربحيـة والنـشاطات التجاريـة مـن داخـل الدولـة بإمـداد الجماعات الإرهابية بالأموال والمعدات والأدوات اللازمة لممارسـة أنـشطتهم الإرهابيـة.
واستطرد: بـل لقد أصبح لتمويل الإرهاب بُعد دولي؛ إذ تقوم دول أو يقوم أشخاص وجماعـات، ينتمون أو يقيمون في دولة أو دول، بإمداد الجماعات الإرهابية بـالأموال والمعـدات والأدوات اللازمة لتنفيذ عملياتهم الإجرامية فكريًّا وماديًّا في دول أخرى، كما هو الواقع من إيران في تمويل حزب الله اللبنـاني، وجماعـة الحـوثي في الـيمن، وكثـير مـن الجماعـات الإرهابيـة في العـراق وسـوريا، وجماعة الإخوان المسلمين وما يتفرع عنها مثل القاعـدة وجبهـة النـصرة وداعـش وغيرهـا مـن الجماعات الإرهابية، ومن ثم فإن جريمـة تمويـل الإرهاب التـي سـعت الـدول إلى مكافحتهـا تعد جريمة ذات عنصر خارجي ودولي.
وذكر الدكتور بعض مصادر التمويل عن طريق الجرائم المنظمة، وصنع وترويج المخدرات، وغسل الأموال، والاتجار في البشر والأطفال والنساء والأعضاء، وسرقة الآثار وبيعها، والفدية، والسطو المسلح على خزائن الشركات الكبرى والبنوك التجارية، وسرقة حقوق الملكيات الفكرية، والفساد ورشوة الموظفين العموميين، وخطف الطائرات والقرصنة البحرية، والجرائم المعلوماتية، وجرائم تلويث البيئة وغيرها.
وأشار الدكتور الهاجري إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في الأعمال الخيرية أو الجمعيات والمؤسسات الخيرية؛ لأن أهدافها إنسانية وسامية، وأثرها إيجابي في إغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين، غير أن الخطر يكمن فيمن يقوم على هذه الجمعيات والمؤسسات ويديرها، ثم يقوم بتحويل هذه التبرعات والنشاطات الخيرية إلى تمويل الجماعات والمنظمات الإرهابية، ونشر مبادئها، ثم إذا كان هناك ردة فعل رسمية، تنظم العمل الخيري تجاه هذه الجمعيات التي تولى عليها من هو متعاطف أو ينتمي إلى المنظمات الإرهابية، استغل ذلك بإغارة الصدور على ولاة الأمر بحجة أنهم يحاربون الجمعيات الخيرية، والأعمال التطوعية. كما يرى أنه من الأفضل للمسلمين أن يقتصر التبرع على الأعمال الخيرية في الداخل، ولاسيما المحتاجين من الأقارب، سوى ما كان بتوجيهات ولاة الأمر وتحت رقابة لجان تابعة لهم.
وتابع الدكتور الهاجري بأن جهود السعودية جُسدت من خلال اعتمادها استراتيجية شاملة، تعتمد الوقاية والحماية ثم المواجهة والمكافحة، فيكون الاهتمام بالفرد والأسرة؛ إذ إنهما نواة المجتمع بالوقاية والتحصين، ثم المواجهة الفكرية والمناصحة بالدرجة ذاتها من الاهتمام في التعامل الأمني، والإجراءات القانونية في محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الإرهابية. وقد تعددت جهود السعودية، ولا تزال المملكة العربية السعودية سباقة في حث المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب، ودعت في مناسبات دولية المجتمع الدولي إلى تبني عمل شامل في إطار الشرعية الدولية، يكفل القضاء على الإرهاب، ويصون حياة الأبرياء، ويحفظ للدول سيادتها وأمنها واستقرارها، كما أشارت منظمتا (الفاتف) و(المني فاتف) الدوليتين.
ومن ذلك التوقيع والمصادقة على أكثر من 13 اتفاقية ثنائية، و7 اتفاقيات إقليمية، و11 اتفاقية دولية في مكافحة تمويل الإرهاب، وعقد مؤتمرات دولية عدة لمكافحة الإرهاب الذي دعت إليه السعودية بمشاركة أكثر من دولة عربية وإسلامية وأجنبية عدة. وترى السعودية دائمًا أن القضاء على الإرهاب لن يتم إلا بتعاون دولي في استئصال جذوره ومعالجة أسبابه؛ لذا أنشأت التحالفات العسكرية للقضاء على الإرهاب وتمويله.
ومن جانبه، قال فضيلة الشيخ وجب بن علي العتيبي: إن المملكة العربية السعودية تعد من أولى الدول التي أولت التصدي لظاهرة الإرهاب اهتمامًا بالغًا على مختلف المستويات، وقامت بخطوات جادة في مكافحة هذه الظاهرة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وأسهمت بفاعلية في التصدي لها وفق الأنظمة الدولية؛ ليجتمع العالم على أهمية مكافحة الإرهاب الذي طال وباله السعودية والعديد من دول العالم دون أن ينتمي لدين أو وطن.
وأبان العتيبي: ومنذ أن وقّعت السعودية على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي خلال شهر مايو ۲۰۰۰م وهي تواصل جهودها في استئصال شأفة الإرهاب بمختلف الوسائل، والتعاون مع المجتمع الدولي في جميع المحافل الدولية التي ترمي إلى الوقوف لمواجهة هذه الظاهرة واجتثاثها، وتجريم من يقف خلفها.
وأشار إلى أن السعودية كانت -ولا تزال- تذكِّر العالم في كل مناسبة محلية وإقليمية ودولية بخطورة هذه الظاهرة في زعزعة واستقرار أمن العالم؛ إذ قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في كلمته التي ألقاها - أيده الله - خلال شهر رمضان الماضي: إن الإرهاب لا يفرق بين الحق والباطل، ولا يراعي الذمم، ولا يقدر الحرمات، فقد تجاوز حدود الدول، وتغلغل في علاقاتها، وأفسد ما بين المتحابين والمتسامحين، وفرّق بين الأب وابنه، وباعد بين الأسر، وشرذم الجماعات.
جاء ذلك في الندوة التي نُظمت من قِبل فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة مكة المكرمة -ممثلة بإدارة التوعية العلمية والفكرية- بعنوان "جهود السعودية في القضاء على تمويل الإرهاب"، التي أقيمت يوم الخميس الماضي بجامع العساف بمخطط 10 بالشرائع، وألقاها كل من فضيلة الشيخ الدكتور راشد بن رمزان الهاجري، وفضيلة الشيخ وجب بن علي العتيبي.
وبعد انقضاء الندوة أقامت ديوانية آل جارالله مائدة طعام العشاء بجوار الجامع.