اعتبر عدد من الاقتصاديين والخبراء تحقيق فائض مالي بميزانية السعودية 2022 للمرة الأولى بعد 8 سنوات من العجز حلمًا سعوديًّا، تحوَّل إلى حقيقة بفضل جهود القيادة الرشيدة.
وأكدوا أن الأرقام الجديدة للميزانية التي قُدرت النفقات بها بـ955 مليارًا، مقابل 1045 مليار ريال إيرادات، تُعدُّ أكبر شهادة نجاح لرؤية الوطن، ودليلاً واضحًا على نجاح مسار الإصلاح الاقتصادي الذي اتبعته السعودية على مدار السنوات الخمس الماضية.
تخطي الحواجز
ووصف رئيس لجنة الأوراق المالية في غرفة جدة سابقًا عادل عقيل ميزانية السعودية لعام 2022 بـ(التاريخية وغير المسبوقة)؛ إذ حملت أكبر مبلغ للإيرادات في تاريخ السعودية، وحملت بشائر الخير بتحقيق فائض للمرة الأولى منذ 8 سنوات؛ إذ كان آخر فائض في ميزانية عام 2013م.
وأشار إلى أن الأرقام التي أعلنتها حكومة خادم الحرمين الشريفين فاقت كل التوقعات، وبرهنت على نجاح السياسة الحازمة التي تتبعها القيادة الرشيدة، بل تخطت الحاجز الذي توقعته المؤسسات البحثية، وأدت إلى انعكاسات كبيرة على الاقتصاد الوطني؛ إذ رفعت وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية لخدمات المستثمرين نظرتها المستقبلية إلى اقتصاد السعودية من سلبية إلى مستقرة، مع تثبيت تصنيفها الائتماني للمملكة عند A1، وأكدت قدرة البلاد على عكس كثير من الديون.
ولفت إلى أن وكالة "ستاندرد أند بورز" رأت أن الاقتصاد السعودي قادر على التعافي السريع من صدمات العام الماضي، مع تعافي الطلب العالمي على النفط وزيادة الاستهلاك الخاص. وأكدت الوكالة أن الرياض ستواصل في الأعوام المقبلة جهودها في تحقيق رؤية السعودية 2030، التي تهدف بشكل رئيس إلى دعم القطاع غير النفطي، والطلب في القطاع الخاص، والتحول الاجتماعي للبلاد عبر سلسلة مشاريع كبيرة.
فيما أكدت وكالة "فيتش" أن احتفاظ السعودية باحتياطي مالي كبير يوفر لها قدرًا جيدًا من المرونة لتيسير حاجات التمويل العام في حال عدم استقرار عائدات النفط، وأشارت إلى أن الأرقام التي تضمنها بيان العامة لعام 2022 تعكس سلامة السياسات المالية والإصلاحات الهيكلية التي قامت بها الحكومة السعودية في ظل رؤية 2030.
تواصُل الإصلاحات
واعتبر رئيس لجنة النقل البري في غرفة جدة سعيد بن علي البسامي أن أكبر المكاسب في ميزانية 2022 تتمثل في استمرار مسيرة الإصلاحات بالوتيرة والحماسة نفسَيْهما، اللتين كانت عليهما في السنوات الماضية، والتزام الحكومة بالمحافظة على سقف الإنفاق المعلنة سابقًا، بما يضمن استدامة مالية على المدى المتوسط، ومركزًا ماليًّا قويًّا، يُمكِّن الدولة من مواجهة أي متغيرات طارئة، وامتصاص الصدمات الاقتصادية غير المتوقعة.
كما أوضح بيان الميزانية تركيز السعودية على فاعلية الإنفاق، وعلى تحقيق أهداف الميزانية المتوازنة بحلول عام 2023. ويُعزى جزء كبير من قيود الإنفاق إلى (صندوق الثروة) وبرامج الاستثمار الأخرى التي تشارك فيها كيانات الدولة، التي تعطي مساحة لتقليص الإنفاق.
ولفت إلى أن المبهج في الميزانية الجديدة أن الفائض المتوقع، المقدَّر بـ90 مليار ريال، لا يأتي على خلفية ارتفاع أسعار النفط والإنتاج فحسب، وإنما على خلفية تقليص الإنفاق المرتبط بكوفيد-19 أيضًا، فضلاً عن الاستمرار في تحويل عبء الاستثمار إلى صناديق الدولة بقيادة صندوق الاستثمارات العامة.
وأشار إلى أن الأهم في المرحلة المقبلة هو كيفية إدارة الحكومة الفوائض المتوقعة، خاصة إذا كان صندوق الاستثمارات العامة سيحصل على المزيد من التحويلات من الميزانية، وهو أمر من شأنه أن يعزز قدرة الصندوق على تحقيق أهدافه من أجل زيادة إجمالي أصوله.
حياة كريمة
ونوه المستشار القانوني والاقتصادي السيد هاني الجفري بالشفافية التي ترسخها القيادة الحكيمة في إعلان بنود الميزانية، وأكد أن الأرقام التي حملتها تعزز التزام الدولة بتوفير حياة كريمة للمواطنين، وتحسين جودة حياتهم، من خلال التنمية البشرية، وتوفير الوظائف، وتحسين البنية التحتية، والارتقاء بالخدمات، مع الاستمرار في تنفيذ المبادرات والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لتحقيق أهداف رؤية 2030، والتحسين المستمر في جودة الحياة، ورفع مستوى الشفافية وكفاءة الإنفاق، وتعزيز معدلات النمو؛ بما يؤكد أن الإنسان السعودي كان -ولم يزل- المحور الأول للتنمية؛ إذ تؤكد الميزانية الاستمرار في حجم الإنفاق الكبير مع تحويل العجز إلى فائض مالي؛ وهو ما يعكس مستوى النجاح الكبير للسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، ويدلل على استدامة النمو الاقتصادي والمالي وكفاءته.
وشدَّد على أن الحكومة السعودية حققت أكثر ما وعدت به في الأعوام الماضية؛ إذ لم يكن أكثر المتفائلين ينتظر أن يصل الفائض خلال الميزانية المقبلة إلى 90 مليارًا في ظل التحديات المالية التي تواجه معظم دول العالم، والتقلبات المستمرة في أسعار الطاقة، واستمرار تبعات جائحة كورونا العالمية التي ما زالت تلقي بظلالها على المجتمع الدولي.
واستدرك: "لقد حققت السعودية أبرز مستهدفات ميزانية العام الماضي برفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات، وتقليص العجز المالي. وتوجُّهها الرئيس يتمثل في استمرار تطبيق البرامج والمبادرات والمشروعات المعلنة حتى تحقيق مستهدفات الرؤية، وتلبية تطلعات المواطنين".
خفض البطالة
من جانبها، أكدت الدكتورة عايشة نتو، عضو مجلس إدارة غرفة جدة سابقًا، أن نجاح حكومة السعودية في تنويع مصادر الدخل وزيادة العوائد غير النفطية ورفع كفاءة النفقات ساهم في خفض معدلات البطالة التي نزلت من 12.6 في نهاية العام الماضي إلى 11.3 منتصف العام الجاري؛ وذلك نتيجة زيادة فرص العمل المتاحة أمام المواطنين، وأدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع غير النفطي، وبلغ نحو 5.4 % مدفوعًا بنمو القطاع الخاص بنحو 7 %.
وأشارت إلى كلمة ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، خلال الميزانية، التي أكد فيها أهمية دور القطاع الخاص، ووصفه بأنه شريك رئيسي وحيوي في التنمية.
وأوضحت أن الحكومة السعودية بنت توقعاتها للعام الجديد على ثلاث ركائز رئيسية، تتمثل الأولى في ترشيد النفقات؛ إذ يُقدَّر أن تبلغ النفقات نحو 955 مليار ريال (254.666 مليار دولار) للعام المالي 2022، وأن يستمر ضبط النفقات لتصل إلى نحو 951 مليار ريال (253.6 مليار دولار) عام 2024؛ وهو ما يعكس إعادة ترتيب الأولويات بناء على التطورات والمستجدات، وبما يتناسب مع متطلبات الفترة، إضافة إلى إتاحة مزيد من الإمكانات أمام القطاع الخاص في قيادة الفرص الاستثمارية، والاستمرار في خصخصة بعض الأصول والخدمات الحكومية، وتطوير مشاريع البنى التحتية.
وأضافت: "الركيزة الثانية تتعلق بكفاءة الإنفاق؛ إذ تواصل الحكومة السعودية جهودها في تعزيز كفاءة الإنفاق، وتحقيق وفورات مالية من خلال تمكين الجهات الحكومية من تبني أفضل الممارسات في كفاءة الإنفاق، ودعمها بالتدريب والإجراءات والتحفيزات اللازمة لتحقيق المستهدفات. وفيما يتعلق بالركيزة الثالثة بإعادة هيكلة الدعم فإنه يتم العمل على إعداد استراتيجية لمنظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، تحتوي على التوجهات العامة، وتحديد الأهداف الاستراتيجية، وتوضيح الأثر في المستفيدين وفي المالية العامة، كذلك التوصيات الناجمة عن تحليل برامج الدعم والإعانات الاجتماعية".