من التغيُّرات الاجتماعية التي لم تكن موجودة بكثرة من قبل في مجتمعنا أن نرى الشباب يبحثون عن الفتيات العاملات للزواج منهن بهدف الحصول على راتب الزوجة، بل في الماضي غير البعيد كانت المرأة العاملة مستبعدة من قائمة المواصفات المثالية المؤهَّلة للزواج خوفًا من انشغالها بالعمل عن رعاية البيت والزوج والأبناء، لكن الآن أصبح كثير من الشباب يشترط أن تكون الفتاة المرشَّحة للزواج ذات وظيفة تدرُّ عليه دخلاً ثابتًا!!
وفي هذا السياق هناك نقاشات كثيرة ووجهات نظر متنوعة.. فالعمل يأخذ من الزوجة جهدًا ووقتًا غير قليلَيْن، ويشغل حيزًا من تفكيرها واهتمامها، والزوج الذي يعيش مع زوجة عاملة لا بد أن يتنازل عن بعض حقوقه، كتفرغ زوجته له، ورعايتها لشؤون البيت والأبناء.. فهل يستحق الزوج بذلك أخذ جزء من راتب الزوجة، يساعده في تحمُّل أعباء الحياة أم ليس له ذلك؟!!
في المقابل يتساءل البعض: هل من حق الزوج أن يمنع زوجته من العمل بحجة أن ذلك يشغلها عن العناية به وببيته وأسرته؟! ولماذا إذن تعلَّمت وقضت سنوات من حياتها في الدراسة؟! هل قضت كل هذه السنوات في التعليم لتجلس في البيت في النهاية، تخدم زوجها وأولادها؟!! وهل لها أن تعمل بغض النظر عن موافقة زوجها من عدمها؟!! أم عليها أن تُسكته بجزءٍ من راتبها كي يرضى عما قد يحدث من تقصير في حقه؟! وإذا كان الشاب يبحث الآن عن زوجة عاملة، تشاركه أعباء الحياة وتكاليفها المادية، فهل يجب عليه أن يصارحها من البداية بذلك الأمر؟! وهل من المناسب أن يشترط في عقد النكاح أن تعطيه زوجته العاملة نصف راتبها مثلاً أو أن يُجلسها في البيت؟!! وهل من المقبول أن تشترط الزوجة أن يسمح لها زوجها بالعمل، وأن يكون كامل راتبها لها، ولا يأخذ منه شيئًا؟!! وهل مثل هذه الشروط مفيدة لاستقرار الحياة الزوجية؟ وفي حال اتفق الزوجان على ذلك فمن يضمن وقوف الزوج إلى جانب زوجته لمواصلة مشوارها الوظيفي دون أن يتشكَّى من أي تقصير يقع منها بسبب أعباء العمل؟!!
الواقع أن بعض الزوجات ترى أن راتبها لا بد أن يكون من حقها وحدها، وأن لها أن تشترط على الزوج أن يتركها تعمل، وألا يأخذ شيئًا من راتبها.. والبعض الآخر يرى أن الحياة الزوجية مشاركة في كل شيء، وخصوصًا في حمْلِ مسؤولية الأسرة، وتحمُّل أعباء وتكاليف المعيشة.. ويستنكر بعض الأزواج أن تستأثر الزوجة براتبها كله، ثم ترهق زوجها بمطالبها المادية التي لا تنتهي!!
في الحقيقة، ينبغي ألا يكون هناك أي صراع أسري أو اجتماعي مهما تعددت الآراء حول (راتب الزوجة)؛ إذ لا بد في النهاية من وجود تفاهم واتفاق بين الزوجين من أجل مستقبل أبنائهما. وقد رتب الشرع على عقد الزواج شروطًا وواجباتٍ محددة على كلٍّ من الرجل والمرأة؛ ويجب على الطرفين احترام ذلك حفاظًا على استقرار الأسرة، وسعادة أبنائها.
وينبغي أن تكون الحياة بين الزوجين بعيدة عن التفكير المادي المجرد من المشاعر المليئة بالود والتفاني والتضحية.. فعلى كلٍّ من الزوجين أن يتفانى في إسعاد زوجه.. ومؤكَّدٌ أن أصحاب الهمم العالية والنفوس الكريمة من الرجال لا يرضون بأخذ شيء من أموال زوجاتهم، وإن اضطرتهم الظروف إلى ذلك فيكون في أضيق الحدود. كما أن الرحمة والمروءة توجب على الزوجة التي لها راتب أن تبادر بمد يد العون لزوجها دون طلب منه، وأن تقف معه، وتساعده في مواجهة مصاعب الحياة، وتحمُّل أعبائها دون منٍّ أو أذى.
وفي الواقع فقد تغيَّر مجتمعنا كثيرًا في مسألة الإنفاق على الأسرة؛ فبعد أن كان الرجل يلبِّي وحده جميع مطالبها ومستلزماتها صارت المرأة تشارك في تأمين حاجيَّات المنزل المختلفة من مأكلٍ أو ملبس، كما تشارك في تأمين مصاريف تعليم الأبناء وتكاليف دراستهم، بل تقف الآن بجانب زوجها، وتشارك بجزءٍ من راتبها في بناء منزل الأسرة، وتسديد أقساطه.