ابن سعيدان: حب المظاهر يكاد يسيطر على عقول الدهماء

قال إنَّ الحياة وزينتها ينبغي ألا تطغى على هموم الأمة
ابن سعيدان: حب المظاهر يكاد يسيطر على عقول الدهماء
تم النشر في

 قال اللواء ركن المهندس سلامة بن هذال بن سعيدان: "إنَّ ظاهرة "حب المظاهر" تكاد تسيطر على عقليات الكثير من "الدهماء"، من خلال ما يقيمونه من مناسبات، ويطلقونه على أنفسهم من ألقاب، ويقال فيهم من مديح إلى الحد الذي صارت معه هذه الظاهرة قابلة للعدوى تارة بالتقليد، وتارة أخرى بالمنافسة، والمحرِّك الأول الذي يدفع هؤلاء إلى التقليد والتنافس والبحث عن الذات وتمجيدها، هو الثروة وعلى أساسها تكون المفاضلة والمفاخرة.

وأضاف تفاعلاً مع المشهد الذي طغى مؤخراً على الرأي العام: "لا شك أنَّ النفس البشرية مجبولة على حب الظهور، وأن ينظر إليها نظرة إعجاب من قبل الآخرين، والإنسان يرغب في أن يذيع صيته، ويكون له وجود مؤثر وحضور فاعل في الوسط الذي يعيش فيه، والاعتدال في هذا الأمر مطلب طبيعي، والتميز فيه مقيد ببقائه في الإطار المقبول عقلاً وشرعاً، وقد قال أحد الحكماء: أكثروا من المحامد فإنَّ المذام ينجو منها".

وقال اللواء متقاعد ابن سعيدان: "عندما يكون البروز نتيجة لأعمال بارزة تؤيدها المثل، وتدعمها المبادئ الدينية والدنيوية، فهذا هدف مشروع وغاية لكل رجل شريف، وإذا ما تحول حب الظهور الطبيعي إلى حب للمظاهر ونوع من الرياء وانحصر في حالات هنا وهناك ضمن مفهوم لكل قاعدة شواذ، فلا غرابة في ذلك، وهذا هو حال قلة من البشر وطبيعة سلوكهم، أمَّا إذا ما أصبحت الحالة ظاهرة سائدة في مجتمع من المجتمعات، وتنافس على ممارستها شريحة كبيرة من هذا المجتمع فهنا مربط الفرس".

وتابع: "حب المظاهر بمجرد أن يكون غاية في ذاته، وينتقل من الحالة إلى الظاهرة ومن الوضع المعقول إلى ممارسة خاطئة، يغلب عليها الرياء واللهث وراء سمعة مشوهة، عندئذ يصبح ذلك محنة أكثر منه منحة، والنعمة المحركة لهذا النشاط يحل محلها نقمة، بسبب عدم تقييدها بالشكر، والله جعل الشكر للنعم حارساً، وللحقوق مؤدياً، وللمزيد سبباً، ونسيان النعمة هو أول درجات كفرها، والانقياد للهوى وحب المظاهر يقود إلى نسيان النعمة بسبب الاستسلام لسلطان النقمة، وقد قيل: عند التراخي عن شكر النعم تحل عظائم النقم.

وبيَّن أنَّ الإنسان قد ينظر إلى من دونه في بعض الأمور فيجده فوقه في أمور أخرى، والله هو العالم بأحوال خلقه، يرفع ويضع، ويعطي ويمنع، والذي يرفل في نعمة المال ويتمتع بمتعة الحياة وزينتها، يتعين عليه أن يستعين بشكر المنعم لاستدامة النعمة بحيث ينفق مما أفاء الله عليه من الثروة في أوجه الخير، ويتمتع بها على الوجه المشروع بعيداً عن الرياء وحب المظاهر، وقد قال الشاعر:

وإذا الفتى ظفرت يداه بنعمة/ فدوامها بدوام شكر المنعم

وأردف: "نعمة الدين والصحة والأمن والمال من أعظم النعم التي أنعم الله بها على خلقه، وهي نعم لا يُشبع منها، ولا يستغنى عنها، ولا يدرك قيمتها إلا من فقدها، وهذا المربع العظيم من النعم لا تطيب الحياة إلا به، ولا تكتمل مقومات السعادة بدونه، وصدق الشعور بما يجلبه من خير ويحجبه من شر مرهون بالوعي الديني والخلق السوي والمواطنة الصالحة، وكما قال الشاعر:

ثلاثة ليس لها رابع / مسعدة مغنية كافية

من نالها نال جميع المنى/ الدين والدرهم والعافية

وقال آخر:

ثلاثة ليس لها نهاية / الأمن والصحة الكفاية

وقال: "حب المظاهر والممارسات التي يقع فيها البعض تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ بعض من يتمتع بهذه النعم ويستظل بظلها، يغيب عن ذهنه مردودها، متجاهلاً عائداتها، وناسياً شكرها ومقللاً من قدرها، وجاعلاً منها نقماً بدلاً من أن تكون نعمًا، ومن شواهد ذلك شيوع التمادح بين العامة إلى الدرجة التي ينفر منها الطبع، ويتأذى منها السمع، حتى أن البعض يدفعه التهالك على المدح إلى تملق المداحين والتهافت عليهم، مسلطاً الضوء على نفسه، وداعياً غيره إلى مدحه، والحيلة تضاف إلى الوسيلة في سبيل الشهرة، بصرف النظر عن وجود مسوغات المدح ومبرراته ووسائل استحقاقه، والمدح بدون استحقاق دعوة صريحة إلى النفاق، والمناقب الكاذبة التي يُمدح بها المرء تُذكِّر الغير بما فيه من المثالب والمعائب، وتنعكس عليه قدحاً وذبحًا، وقد ورد في الحديث الشريف: "إياكم والتمادح فإنه الذبح" وقد قال الشاعر:

محل امرئ فوق الذي حلّ هازئٌ / ومادحه مدحاً بما ليس شاتم

والمدح بموجب الاستحقاق، وفي نطاق الأخلاق، يعتبر قبلة تتجه إليها الأنظار، وهدفاً يؤمه الأخيار، وميدانه مشهود والتنافس عليه محمود، أما إذا فقد أخلاقياته، وتجرد من صفاته فالعزوف منه مغنم، والبحث عنه مغرم، وكم من ممدوح هو أهل للمدح، ولكن ركوبه للموجة أصابه بالعدوى، وأنساه النعمة، وسلّط عليه سلطان النقمة مما وضع حوله علامة استفهام وجعله عرضة لأن يلام.

وأكد ابن سعيدان أنَّ بعض أولئك الذين استهواهم ركوب الموجة لديهم اعتقاد أنَّ بعض ما يمارس من ممارسات مستوحى من البيئة والموروث، وهو اعتقاد خاطئ، لأنَّ ثمة اهتمامات اجتماعية تنتقل بالعدوى، وهي ليست من الموروثات المطلوب المحافظة عليها، حيث إنَّها من شقين أحدها مُحدث يسيء إلى الحاضر ولا صلة له بالماضي، والآخر اندثر وعفا عليه الزمن، ولم يعد صالحاً لروح العصر، وبات في حكم الماضي، والإصرار على إحيائه مدعاة للتهكم والتندر طالما أنَّه لا يدخل في مفهوم الأصالة، وليس من العادات والتقاليد المرعية، والدافع وراء هذه الترهات هو التفاضل والتفاخر، والتنافس فيما لا تنافس فيه والتقليد الأعمى، وما ذلك إلا صورة من صور الجهل ونتيجة من نتائج طيغان المادة، وجانب من إفرازات حب المظاهر.

وأبان أنَّ مظاهر الحياة وزينتها ينبغي ألا تطغى على اهتمامات العقل وهموم الأمة وينشغل بها أصحابها عن معاناة أمتهم، مغردين خارج دائرة اهتماماتها وهمومها، بل يستعينون بهذه على تلك، والحياة تستمد قيمتها من متضاداتها وقيمة الأشياء بوجود أضدادها، وما يحيط بالأمة من أحداث، ويتربص بها من مخاطر، ويطل عليها من تهديدات كفيل بإثقال كاهلها بالأعباء والهموم وبإيقاظها من سباتها، وتنبيهها من غفلتها.

وكشف أنَّ التنبيه إلى ظاهرة سلبية في المجتمع لا تعني الإساءة لأحد بعينه، وما بال أقوام لا تُجلد من خلالها الذات، والتذكير يغني عن التشهير، والدعوة إلى تصويب ممارسات خاطئة والتركيز على أضرارها لا يطعن في التفاؤل ولا يعد تشاؤمًا، وأهل المحامد كثرة كاثرة، وأهل المذام قلة قليلة، ولكن صفات الخير قاصرة على أربابها وصفات الشر معدية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org