يعتبر المجتمع الحيوي أحد محاور رؤية ٢٠٣٠ الرئيسية والتي تهدف إلى بناء مجتمع يتمتع بنمط حياة صحية حيث تصبو إلى رفع نسبة ممارسي الرياضة لمرة واحدة أسبوعياً على الأقل من ١٣٪ إلى ٤٠٪ ، ولتحقيق هذه الرؤية تشترك أطراف عديدة منها وزارة التعليم (العام) ، وبإعتقادي أن المدرسة ستلعب دوراً رئيسياً في ترسيخ هذه القيمة بشقها الصحي عندما تبدأ بالإهتمام بشكل جدي بوضع التربية البدنية في المدارس .
إن أول الممارسات الروتينية في اليوم الدراسي للطالب والطالبة هو الطابور الصباحي ومن ضمن فقراته ممارسة شيء من التمارين البدنية التي يُرجى منها توليد النشاط لدى الطالب الذي يصل متثاقلاً و ناعساً إلى مدرسته ، هذا النشاط له أثرٌ بالغ في زيادة قدرة الطلبة على التعلم ، فبحسب دراسات نشرت في مجلة المجتمع البحثي لعلم نمو الطفل فإن إهمال النشاط البدني في المدارس والتركيز فقط على طرق التدريس والتقويم ساهمت في إنخفاض معدلات الإنجاز لدى الطلبة وهو عكس ماهو متأمل من التركيز على الجانب التدريسي والتقييمي ، بل وجدوا أن الطلبة الأكثر نشاطاً تفوقوا على نظرائهم الأقل حركة من ناحية أدائهم في اختباراتهم الدورية ، وقد تنبهت لهذا الأمر دول متقدمة عديدة على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية و فنلندا ، فبحسب إدارة الوقاية ومكافحة العدوى بالولايات المتحدة فإن الطلاب الذين يدرسون بمدارس تقدم حصة تربية بدنية يومية لا يتجاوز ٣٠٪ ، بل أن دولة فنلندا ممثلة بإدارتها التعليمية قد قيمت وضع النشاط البدني لطلابها بدرجة "د" أو تقدير "مقبول" ، ولا يخفى مدى تقدم هاتين الدولتين مقارنة بوضعنا التعليمي في المملكة .
فالنشاط البدني يساهم في قدرتنا على التعلم ، فبحسب دراسة في جامعة "برتش كولومبيا" أُشير لها بموقع كلية الطب بجامعة هارڤارد ، فإن الرياضات الهوائية تساهم في زيادة حجم منطقة في الدماغ تُدعى "الهيبوكامبس Hippocampus" وهي مسؤولة عن الذاكرة وتساهم في التعلم ، ولا يخفى دور النشاط البدني بشكل عام في مكافحة أمراض العصر مثل السكري و الضغط و السمنة وغيرها إضافة إلى أهميتها في إنتاج الخلايا الدماغية والمحافظة عليها وهي التي بموتها تسبب ضعف في الأداء الفردي مثل القدرة على التفكير ، بل إن موت الخلايا الدماغية واضمحلال مادة دبقة تحيط بالخلايا العصبية تسمى "المايلين شيث Myelin Sheath" تساهم في التسبب بالزهايمر .
وعلى الصعيد المدرسي ، فبحسب دراسة منشورة في المجلة البريطانية للطب الرياضي أجريت على ٥٠٠٠ طالب وطالبة من قبل جامعتي دندي و ستراثكلايد توصلت إلى وجود علاقة بين النشاط البدني و التحصيل الدراسي في مواد الرياضيات و اللغة الإنجليزية و العلوم ، حيث وجدوا أن هناك زيادة في الإنجاز الدراسي لكل ١٧ دقيقة يمضيها الطالب في الرياضة و لكل ١٢ دقيقة للطالبات خصوصاً في مجال العلوم ، فقد أراد الباحثون معرفة ما قد يحدث لو أن الطلبة مارسوا الرياضة لمدة ٦٠ دقيقة يومياً كما هو موصى من قبل جهات عديدة مثل إدارة الصحة والخدمات الإنسانية في الحكومة الأمريكية ، وبحسب زعمهم أن مستوى التطور من ناحية الدرجات قد يصل إلى تغيير قدره تقدير كامل مثلاً من جيد جدا الى ممتاز، بل أن طرق تدريسية بُنيت على النشاط البدني وأحدها أُطلق عليه مسمى "The Walking Classroom" وأترجمه حرفياً بالفصل الدراسي الذي يمشي!
وبعد ذكر كل هذه الدراسات والتجارب بشكل مختصر ، أليس حرياً على وزارة التعليم أن تلتفت لوضع النشاط البدني في مدارسها إبتداءً من الطابور الصباحي إلى حصص التربية البدنية القليلة الموجودة في جداول الطلاب والمنعدمة من جداول الطالبات الدراسية! فلو أمضى الطلبة عشر دقائق من الطابور الصباحي في ممارسة الرياضة إضافة لوجود حصص بدنية – وكم أتمنى لو أنها يومية – يمارس فيها الطالب التمارين البدنية والرياضات المختلفة التي يمكن إشراك الطلبة في إختيارها مما يساهم في شعورهم في الإنتماء لمدارسهم خصوصاً عند التنافس بأسمائها و زرع مهارات يُشار لها بمهارات القرن الحادي والعشرين مثل العمل الجماعي والقيادة و حل المشكلات عند ممارسة الرياضات المختلفة والتمارين البدنية في حصصهم لساهم ذلك كله في إخراج جيل مهيئ صحياً و علمياً ورياضيآ ، فحصص التربية البدنية ليست مجرد ٤٥ دقيقة لا تضيف شيء للطالب ، بل هي دقائق ذهبية تساهم في زيادة قدرة الطلبة على التعلم و المحافظة على صحتهم وزيادة معدلات أعمارهم وبناء شخصيات ذات صحة نفسية متزنة ؛ وبعد هذا كله فإني آمل أن تقوم وزارة التعليم بعمل مبادرة وطنية تعمل على تطوير النشاط البدني للطلبة في المدارس سواءً كجزء من المنهاج أو كنشاط لاصفي يكون خلال فترة الاستراحة بين الحصص ، فعشر دقائق – مثلاً – لمرة واحدة بين أحد الحصص كفيلة بعمل تغيير مستقبلي رائع على نمط حياة جيل ٢٠٣٠ .