مع كل موقف أو مناسبة يتجلى المثل الشعبي الشهير "حج وبيع مساويك"؛ وهو المثل الذي وُلد من رحم مواسم الحج، وترعرع بين العرب خصوصاً في المملكة والخليج، ويتم توظيفه وترديده كلما تَشَكّل موقف يرمز للمنفعة المزدوجة.
ويحظى الحج بأمثال اجتماعية واقتصادية تخرج من بين المشاعر المقدسة، وتصنعها "المشاعر" الذاتية، ويتناقلها الحجاج لبلدانهم، ثم يتم ترديدها في المجالس والأسواق، ومن بينها "حج وبيع مساويك"، و"حج وبيع مسابيح" وكلاهما يرمزان لمن يجمع بين مهنتين، وتم اختيار المسواك والمسبحة لرواجهما وحرص ضيوف الرحمن على اقتنائها، وأيضاً "إذا حج البقر على قرونه"، ويضرب للشيء المستحيل؛ لأن البقرة ليس لديها قرون أصلاً حتى تذهب للحج عليها!، وكذلك "ليتنا من حجنا سالمينا"، وهو مثل رائج في المنطقتين الوسطى والشمالية ضمن قصيدة طويلة، ويُضرب للندم على فعل الشيء، وهناك المثل "حج وقضاء حاجة"، وأيضاً من الأمثلة "إن فاتك الحج تمرّغ بترابه"، وهو شفقة الحصول ولو على جزء من الشيء، والمثل الحجازي "اللي فينا فينا لو حجينا وجينا"، بمعنى الحال كما هو سيبقى، ولن يتغير مهما كان.
ويروي العم صالح بن نافع (80 عاماً) لـ"سبق"، وهو أحد الرجال الذين عاصروا نشأة ورواج المثل، قائلاً: "منذ صغر سني وأنا أسمع هذا المثل "حج وبيع مساويك" مع أبي وجدّي وأعمامي -رحمهم الله- حيث نعيش في منطقة القصيم، ونتنقل بين جنوب نجد وغربها، ورمال الدهناء وشمال المملكة، ولا يغيب هذا المثل عن مجالس الرجال في ذلك الوقت".
وتابع: "لا أعلم ما إذا كان هذا المثل قديماً جداً أم تزامن مع ولادتي، لكن أعتقد من خلال معايشة الناس أن عُمره الزمني لا يتجاوز الـ 100 عام".
وعن سرعة انتشار المثل ووصوله بين الناس وعدم تخليهم عنه قال "ابن نافع": "طرافة الجملة، وحكمتها، ووصفها للحال، جميعها ساعدت في استمراره بين الأجيال، وسيستمر؛ لأنه ينطبق تماماً على من يجمع بين منفعتين في وقت واحد، وسبب ولادة المثل أن الحاج الذي يؤدي فرضه ويحتطب "الأراك" من الأودية والشعاب وهو في طريقه إلى مكة المكرمة عبر الجِمال، يبيعها على هيئة "مسواك" مُقلم بطريقة فنية على الحجاج؛ أملاً في كسب الرزق، وإنقاذ نفسه من الجوع خلال الرحلة، خصوصاً أن الحجاج كانوا يقيمون فترة طويلة بين المشاعر على عكس الوقت الحالي".
والحج هو مسرح لتبادل الثقافات والعادات والتقاليد، غير أن الفترة القصيرة التي يقضيها الحاج السعودي والخليجي بين حجاج الخارج بسبب سهولة النقل الجوي والبري منعهم من التعايش وصناعة الحكم والأمثال، لتبقى أمثال الحج القديمة "شاهدة على العصر"، ومرجعاً تاريخياً لحقب زمنية فائتة.