
"مرحلة شقّ الطريق إلى العصور الذهبية والعمل دون إدمان للخام الأسود"، هكذا أجمع المراقبون والمحللون في وصفهم للرؤية المستقبلية للسعودية، والتي أطلقها ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان يوم أمس، والتي جاءت خارطة طريق جديدة للسعودية الثابتة.
بدورها "سبق" قرأت ما بين السطور لحوار ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ظهوره الأول على قناة تلفزيونية، حيث وضع في متناول المواطن السعودي والعربي والرأي العام العالمي محاور رؤية اقتصادية طموحة ستنقل الاقتصاد السعودي إلى عصر ذهبي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
توأمة الرؤية
أعاد الأمير الشاب مع فريق جبار من الساسة والقادة السعوديين، وبقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن نايف رسم خارطة المنطقة وتغيير الموازيين فيها، بأدوات السياسة والحرب والتحالفات الاستراتيجية، ها هو يتحرك لتمتين الجناح الآخر للمملكة والمتمثل في الجانب الاقتصادي ليتواءم مع المشروع السياسي، بل واستخدام الاقتصاد كورقة مهمة في كل دول العالم، وهذا ما أفصح عنه ولي ولي العهد.
صراحة وشفافية
أن تتواجد بدول كثيرة في كل القارات عبر ذراع اقتصادي يمثله صندوق استثماري سعودي بإمكانات هي الأكبر على مستوى الصناديق العالمية هذا يعني أن المملكة ستسجل حضوراً ونفوذاً وشراكة وتنمية على مستوى أهم وأبرز دول العالم.
والاستراتيجية التي أعلنت في المملكة والتي تمتد حتى العام ٢٠٣٠م وتزمنها بخطط خمسية واضحة ومحددة كان ولي ولي العهد شفافاً وصريحاً في نقاش محاورها، بل ولامست شفافية ولي ولي العهد أشياء لم بسبقه أحد في التعرض لها وتصويبها، ومن ذلك على سبيل المثال عملية الدعم المعتمد من موازنة الدولة لقطاع المياه، وكيف يذهب ٧٠% منه لغير المستحقين، وتحوله بذلك لهدر للمال العام.
ثقة كبيرة
كما أن شفافية ولي ولي العهد في الإفصاح عن بعض الصعوبات أثناء عملية البحث عن البدائل لعمليات الدعم أو بنود الخطة تعطي انطباعاً كبيراً وثقة سقفها السماء أن مرحلة جديدة سيشهدها الاقتصاد السعودي وتغييرات جوهرية في الأدوات والاستراتيجيات والآليات المتبعة.
صناعة النهضة
بعيداً عن بنود الخطة الاستراتيجية سنتوقف بتسلسل غير محكوم بتراتب حديث ولي ولي العهد في تناولنا للقاء الذي قدم للرأي العام شخصية يمكن التعويل عليها في صنع نهضة سعودية قياسية تستغل إمكانات متوفرة وبيئة مناسبة وعنصراً بشرياً أكد ولي ولي العهد ثقته التامة بدوره في صناعة هذه النهضة، حين تحدث عن الشباب السعودي وإمكاناته المهنية والطموح والإرادة.
غير نخبوية
هناك تفاصيل تطرق لها ولي ولي العهد تعدّ ذات اهمية كبيرة في بناء الاستراتيجية الاقتصادية السعودية ستكون مفتتح تناولنا هذا من خلال ربطها بالمحاور الرئيسية التي تتجاوز المملكة إلى الاقتصاد العالمي تؤكد أن الانطلاقة القادمة للاقتصاد السعودي ستهتم بكل التفاصيل، ولن تكون مهمة نخبوية على غرار تجارب مجاورة في المنطقة مهما كانت ثمرة وعائدات هذه التجارب والنماذج.
مخرجات التعليم
هذا الجانب الذي أورده ولي ولي العهد محمد بن سلمان في حديثه يعدّ العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية في أي بلد بالعالم؛ لأن المشاريع التنموية الدولية التي تعتمد بشكل رئيسي على الكادر البشري غير المحلي، وبدرجة رئيسية تبقى مشاريع خارج حساب المنفعة الجيدة للمجتمعات المحلية، بل تخلق فجوة كبيرة في مستوى المعيشة بين الكادر الأجنبي والمحلي، وهذا يعني أنه ثمرة هذه المشاريع النهضوية منقوصة الفائدة الوطنية.
تهيئة السعوديين
وهذا كان ردّ ولي ولي العهد حرفياً حول هذه النقطة: "نبي نشتغل على كيف يتم تهيئة العامل السعودي، أو الموظف السعودي لدخول سوق العمل. راح نعمل شراكات مع شركات القطاع الخاص، وشركات مملوكة بنسبة عالية للحكومة، وشركات مملوكة للقطاع الخاص إنه كيف نعمل برامج تأهيل دخولهم إلى سوق العمل. مخرجات التعليم وربطها باحتياجات السوق والرؤية المستقبلية واحتياجات السنة القادمة. هذه أيضاً مهمة جداً في تهيئة السعودي الدخول إلى سوق العمل".
البطاقة الخضراء
وضعت الرؤية الاقتصادية محوراً خاصاً بالعمالة غير السعودية في المملكة، والتي تحول إلى بلدانها سنوياً مليارات الدولارات، وعلى سبيل المثال تبلغ تحويلات العمالة اليمنية ٧ مليارات دولار سنوياً، واللبنانية نحو ٥ مليارات دولار والعمالة الهندية ٢٠ مليار دولار، وعملية إصلاح نظام أو آلية الإقامة منح هذه العمالة مساحة للاستثمار في المملكة والإقامة الدائمة ستبقى نسبة كبيرة من هذه المليارات التي تحوّل للخارج داخل السوق المالية والاستثمارية السعودية.
شراكة المقيم
واعتماد البطاقة الخضراء لن يقتصر فقط على العمالة الموجودة داخل المملكة، بل ستتجه نسبة كبيرة من المغتربين العرب والمسلمين في دول أوروبا وأمريكا وآسيا إلى المملكة؛ للاستثمار فيها والإقامة أيضاً؛ لاعتبارات ثقافية واجتماعية تمنح الأسر المسلمة ظروف إقامة ملائمة للمعتقدات الدينية لهم، وأيضاً ما تتميز به المملكة من فرص استثمارية واعدة ستتعزز بتطبيق الرؤية الاقتصاية ٢٠٣٠م.
وهذا الأمر يوضح كيف لم تغفل الرؤية المواطن غير السعودي أو المقيم ومنحته فرص مشاركة فاعلة بالتوازي مع المواطن السعودي، والاستفادة من امتيازات النهضة السعودية القادمة كمساهم ومستفيد أيضاً.
أهمية السياحة
تضمنت الرؤية حيزاً مهماً للسياحة؛ لكونها تمثل مورداً للدول التي تملك المقومات السياحية، وهي الصناعة بدون مداخن، كما تعرف في قاموس الأنشطة الاقتصادية المدرة للدخل.
وبيّن ولي ولي العهد في حديثه التلفزيوني ومؤتمره الصحفي الذي أعقب إعلان الرؤية عن خطط لرفع عدد زوار مكة والمدينة إلى ٣٠ مليون زائر سنوياً، وهو رقم مهم من شأنه أن يسجل عائداً مالياً كبيراً، وستترافق هذه الزيادة مع الاستفادة من المساحات في محيط الحرم المكي وتهيئتها لخدمة الزوار وأيضاً مطاري الملك عبدالعزيز في جدة، ومطار الطائف أيضاً؛ لكونهما جاهزين لاستقبال الرقم المستهدف.
إشعاع ديني
وستترافق هذه الزيادة المستهدفة مع إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، والاستفادة من شواهد الحضارة والتاريخ الإسلامي في المملكة، وكذلك البحث والتنقيب عن آثار الحضارات القديمة.
يؤكد هذا المحور على الاعتزاز بالحضارة الإسلامية، وتحويل المملكة إلى مركز إشعاع ديني يواجه الفكر المتطرف والأفكار الضالّة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية عبر الجماعات الإرهابية.
صناعات عسكرية
جاء حديث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عن الجانب العسكري للمملكة، وضرورة تطويره ليكشف عن توجه طموح الأمير الذي يشغل منصب وزير الدفاع في المملكة، والذي يقوم على ربط الإنفاق العسكري بعملية تقييم موقع الجيش السعودي في قائمة التصنيف العالمي.
وقال ولي ولي العهد إن المملكة تعدّ رابع أكبر دولة تنفق على عملية التسليح، بينما ترتيب الجيش السعودي في المركز العشرين، وهو هنا يكشف عن توجه سعودي لتواجد جيش المملكة في قائمة الجيوش الأقوى في العالم، بحيث ترتبط نسبة الإنفاق العسكري بمستوى التصنيف، أي أن يكون الجيش السعودي ضمن الجيوش العشرة الأقوى في العالم.
تنمية عسكرية
كما أن عملية الإنفاق العسكري ستكون أكثر ارتباطاً بتنمية الصناعة العسكرية المحلية، من حيث ارتباط الصفقات بجانب التصنيع العسكري السعودي، لتتحول إلى اتفاقيات بدلاً عن كونها صفقات بيع وشراء، بمعنى أوضح توطين تقنيات التصنيع العسكري، بالتوازي مع تشكيل شركة سعودية قابضة ستمثل محور عملية التصنيع العسكري السعودي.
الخصخصة والفساد
استهدفت الرؤية الاقتصادية ٢٠٣٠م رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى نحو ٦٥% بدلا عن ٤٠% كون القطاع الخاص هو أهم أضلاع أي كيان اقتصادي حديث.
ويوجد في المملكة قطاع خاص بإمكانات مالية واستثمارية ضخمة، لكنه يحتاج إلى إعادة هيكلة دوره وتعديل مصفوفة القوانين التي تنظم عمله ليكون شريكاً مهماً في تطبيق الرؤية الاقتصادية الجديدة.
دعم المنشآت
وخلال مؤتمره الصحفي تحدث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن دعم المنشآت الصغيرة، وتوجيه عملية دمجها وتكتلها لتكون قادرة على المنافسة في السوق السعودية.
ومحور الخصخصة سيعمل حسب ولي ولي العهد على مكافحة الفساد من خلال جعل البيانات المالية والأنشطة مفتوحة أمام الجمعية العمومية والمواطن والباحث والمراقب؛ خلافاً لوضع هذه المؤسسات حالياً، حيث استشهد بشركة الاتصالات السعودية وأدائها قبل وبعد تخصيصها كنموذج واضح.
كشف الأرقام
واعتبر ولي ولي العهد أن كشف البيانات والرقابة سيجعل الفساد أمراً صعباً، وأن مكافحة الفساد ليست عملية ملاحقة الفاسدين، وقال: "الخصخصة جزء مهم جداً، مثال الصناعات العسكرية. الشركة مطروحة في السوق. لا أراقب. الشعب يراقب. أرامكو لما تطرح في السوق. الشعب يراقب. أرامكو المؤسسة الدولية تراقب. لما تطلع بيانات أكثر في إعلان الميزانيات رقابة عالية. ليس ملاحقة الفاسدين بقدر ما هو إعادة هيكلة العديد من الإجراءات، التي سوف تجعل الفساد أصعب".
قطاع التعدين
تضمّنت الرؤية الاقتصادية محوراً خاصاً بقطاع التعدين؛ لكونه قطاعاً واعداً، ولم يُستغل بالشكل الجيد بسبب اعتماد المملكة على النفط بشكل رئيسي.
وحسب حديث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز تملك المملكة ٦% من احتياطي الكرة الأرضية من معدن اليورانيوم الذي يعد النفط غير المستخرج في المملكة إضافة إلى الذهب والفوسفات وبقية المعادن.
90 ألف وظيفة
وقال: "إننا في مجال التعدين نستهدف تسعين ألف وظيفة، وتحقيق 97 مليار ريال سنوياً، وإن قطاع التعدين بيخلق وظائف بشكل ضخم جداً، عندنا فرص تعدينية عالية جداً، ستة في المائة من احتياطات اليورانيوم في الكرة الأرضية. هذا نفط آخر غير مستغل تماماً. ذهب، فضة، نحاس، يورانيوم، فوسفات، وغيرها من المعادن الموجودة لدينا، لم يستغل منها إلا 3 أو 5 في المائة. واستغلال بشكل غير صحيح. في هذه الحالة تخلق سوقاً صناعياً ضخماً جداً، عوائد للدولة، دعم للاقتصاد.
واستندت الرؤية على العمق العربي والإسلامي للمملكة والموقع الجغرافي الاستراتيجي والقوة الاستثمارية، وهي ثلاث ركائز رئيسية لا يمكن أن تجتمع في بلاد أخرى في العالم.
تنوع المصادر
وتتجه المملكة وفق هذه الرؤية إلى بناء سعودية قوية لا تعتمد على النفط، بل على تنويع مصادر الدخل وتحويل قوة المخزون المالي والأصول الضخمة للعقار والقيمة السوقية لشركة "أرامكو" إلى أكبر صندوق استثماري في العالم وهو ما سيجعل من المملكة دولة قوية بنفوذ ناعم عابر للقارات تتواكب فيها قوة الاقتصاد الصاعد مع الحضور السياسي الفاعل، وبحماية مؤسسة عسكرية حديثة وقوية تتربع المراكز الأولى في تصنيف الجيوش على مستوى العالم.