
الصحافي محمد صديق
تتسم المملكة بسمة فريدة فهي تترك في أفئدة المقيمين بها محبة خاصة، والكثيرون منهم فتحوا عيونهم على أرضها؛ فتشربوا لهجتها واحترموا تقاليدها، وحتى من جاء طالبًا للرزق على أرضها، امتلأ قلبه يقينًا بأن السعوديين أهل الكرم والضيافة وأكثر الشعوب ألفة.
كل هذه المحبة الصادقة كانت عنوانًا لكلمات الصحافي محمد صدّيق بلال الذي قدم من السودان قبل ٢٢ عامًا شابًا يافعاً لا يعرف عن وجهته أي شيء، ثم عاش بين إخوانه من السعوديين الذين عاملوه خلالها كأنه فرد منهم.
مهنة المتاعب استطاعت أن تأسر صديق لكنه نسي تعبها وغربته، على تراب هذا الوطن، فمارس الصحافة متنقلاً بين مطابخ الأخبار وكتابة المقالات في صحيفة الرياض والجزيرة والمسائية، قرأ الكثير عن المملكة خلال عمله في النشر وزادت محبته، ومكث فيها طوال هذه السنوات معتبراً نفسه "سعودي الروح"، فالجغرافيا والحدود لم تمنعه من إعلان محبته، حتى حان وقت الرحيل فودعها وداع المحب الذي حبس دموعه والحزن يعتصره.
وقال "صديق" لـ"سبق": شهادتي مجروحة في بلدٍ أكلنا فيها لقمة العيش وتقاسمنا فيها لحظات الحب والفرح لأكثر من عقدين من الزمان، ونلنا من خيرها الكثير الكثير، وفتحت لنا ذراعيها على مصرعيها، واحتضنتنا بترحاب يندر صنوه، وترعرع فيها أبناؤنا وتعلموا في مدارسها مجانًا.
وأضاف: خلال شهر مارس 2022م الجاري ستنتهي بإذن الله تعالى رحلتي مع العمل بالمملكة، 22 عامًا مكثتها في موطني الثاني السعودية، مسيرةٌ طويلة قضيتها في دهاليز الصحافة والإعلام والتسويق تنقلت فيها ما بين غرفة الرياض، وجريدة المسائية، وجريدة الجزيرة، وجمعية(نقاء) وبعض الجهات".
وأردف "صديق": كل من زاملتهم وآخيتهم ورافقتهم في هذه الرحلة الطويلة والمحطة المفصلية في حياتي سواءً كان إعلاميًا أو عضو لجنة بالغرفة أو أحد رواد الأعمال أو زميل عمل أو جارٍ في مسكن، أو موظفًا أو مسؤولاً لكم مني وافر الشكر والتقدير والاحترام على ما تعلمته منكم جميعًا.
وتابع: أشقائي وإخوتي وكل من جمعني بهم العمل أو الجوار أودعكم اليوم بألمٍ وحزن، منتقلاً من موطني السعودية إلى موطني السودان، لحظات وداع بالغة التأثير ثقيلةً على المشاعر، تختزل الكثير من المواقف النبيلة والإنسانية والشهامة النادرة والمروءة، والتي قل أن تجدها في مجتمع.
وقال "صديق": لو أعددت مجلدات لما كفيت المملكة حقها حكومةً وشعباً، من زامل السعودي في العمل وجاوره في السكن تجده متفقدًا ومواسياً وبجانبك في السراء والضراء ويسألك حتى عن تفاصيل أسرتك ووطنك السودان.
وأضاف: لن أنسى المملكة ما حييت، ولن أنسى فضلها عليّ وعلى كل المقيمين في أراضيها ما حييت، كما لن أنسى شهامة وعظمة ونخوة مجتمعها خصوصاً من جمعتني بهم سنوات الاغتراب ولن أقول الغربة لأنّي، وللأمانة لم أشعر بها طوال وجودي في هذه الأرض الطيبة.
واستطرد بالقول: أرجو من جميع من زاملتهم وعرفتهم وعرفوني مسامحتي والعفو والصفح إن كان قد بدر مني خطأ أو تجاوز أو صدرت مني كلمة في حق أحد، لأني لا أريد أن أذهب وفي رقبتي وذمتي حق أو مظلمة لأحد: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا).
واختتم "صديق" بالقول: أسأل الله أن يحفظ هذه البلاد وقادتها وشعبها وأن يديم عليهم الخير، وألا يحرمنا من زيارتها وزيارة الحرمين الشريفين.