
أجمع علماء الإسلام خلفا وسلفا على ضلال الخوارج وتفسيقهم وابتداعهم في الدين، واتفقوا على وجوب قتالهم والقضاء عليهم، ووصفهم بما وصفهم به النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم شرار الخلق والخليقة، وأنهم أبغض خلق الله، وأنه يقتلهم خير الخلق والخليقة ، ولكن اختلفوا في الحكم بكفرهم وخروجهم من الإسلام إلى 3 أقول مشهورة.
"سبق" تستقرئ رأي علماء الإسلام في الخوارج وفي مذهبهم المنحرف على النحو التالي:
- العلامة "ابن باز" يفتي بكفر الخوارج وخروجهم من الدين
يقول الشيخ عبدالعزيز ابن باز في "مقطع مسجل" عن الخوارج": الخوارج طائفة عندها غلو، مجتهدة في الدين عندهم اجتهاد في الصلاة والقراءة وغير ذلك، ولكن عندهم غلو، يكفرون أهل المعاصي لشدة غلوهم، قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم-: " يمرق مارقة على حين من المسلمين يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه".
ويضيف: هؤلاء هم الخوارج عندهم تنطع، إذا قرأوا تعجبك قراءتهم إذا صلوا تعجبك صلاتهم ولكنهم عندهم غلو في تكفير الناس، يرون من زنى كفر من سرق كفر، من شرب الخمر كفر، فلهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، فإنه أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم" والجمهور على أنهم عصاة مبتدعة ضالون، ولكن لا يكفرونهم، والصواب أنهم كفار بهذا، قوله: "يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه" دليل على أنهم كفار، "ولئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" عاد كفار، والصحيح والظاهر من الأدلة أنهم بهذا التنطع وبتكفيرهم المسلمين، وتخليدهم في النار أنهم كفارٌ بهذا؛ لأنهم يرون العاصي كافر ومخلد في النار، فهذا ضلال بعيد والعياذ بالله، وخروجاً عن دائرة الإسلام نعوذ بالله. نسأل الله العفو والعافية".
- أقوال العلماء في معتنقي فكر الخوارج :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" ( 28/518 ): " فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ ، وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ بُغَاةٌ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ ، يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً ، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ" .ا.هـ. كلامه
وهناك قول ثالث وهو التوقف في الحكم بكفرهم.
ويتضح مما سبق أن المسألة فيها ثلاثة أقوال على النحو التالي :
الـــقـــولُ الأولُ:
الحكم بتكفيرهم.
واستدلوا بالأحاديث الواردة في حقهم، ومن ذلك :
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". رواه البخاري (6930) ، ومسلم (1771) .
واستدلوا بحديث ذي الخويصرة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ " . رواه البخاري (6933) ، ومسلم (1761).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ( 12/313 ) جملة من العلماء الذين قالوا بتكفير الخوارج كالبخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة قال فيها :
" باب من ترك قِتال الخوارج للتألف ولئلا ينفرَ الناسُ عنه" .
وممن يرى تكفير الخوارج كما ذكر الحافظ أبوبكر بن العربي فقال الحافظ : " وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ : الصَّحِيح أَنَّهُمْ كُفَّار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام " وَلِقَوْلِهِ : " لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْل عَاد " ، وَفِي لَفْظ " ثَمُود " ، وَكُلّ مِنْهُمَا إِنَّمَا هَلَكَ بِالْكُفْرِ ، وَبِقَوْلِهِ : " هُمْ شَرُّ الْخَلْق " وَلَا يُوصَف بِذَلِكَ إِلَّا الْكُفَّار ، وَلِقَوْلِهِ : " إِنَّهُمْ أَبْغَضُ الْخَلْق إِلَى اللَّه تَعَالَى " ، وَلِحُكْمِهِمْ عَلَى كُلّ مَنْ خَالَفَ مُعْتَقَدهمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّخْلِيد فِي النَّار فَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِالِاسْمِ مِنْهُمْ" .ا.هـ.
وكذلك ممن قال بتكفيرهم السبكي ، قال الحافظ : " وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّة الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيّ فَقَالَ فِي فَتَاوِيه :
اِحْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِج وَغُلَاة الرَّوَافِض بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَام الصَّحَابَة لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَته لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ، قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي اِحْتِجَاج صَحِيح " .ا.هـ.
وكذا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : " وَالْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيث" . وقال أيضا : " فَعَلَى الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ يُقَاتِلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَتُسْبَى أَمْوَالُهُمْ وَهُوَ قَوْل طَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث فِي أَمْوَال الْخَوَارِج ، وَعَلَى الْقَوْل بِعَدَمِ تَكْفِيرهمْ يُسْلَك بِهِمْ مَسْلَك أَهْل الْبَغْي إِذَا شَقُّوا الْعَصَا وَنَصَبُوا الْحَرْب" .ا.هـ.
وممن ذهب إلى تكفيرهم أيضا الحسن بن محمد بن علي ورواية عن الإمام الشافعي ورواية عن الإمام مالك وطائفة من أهل الحديث . [ انظر الإبانة الصغرى 152 ، الشفا 2/1057 ، المغني 12/239 ]
الـــقـــولُ الـــثـــانـــي :
الحكم بتبديع الخوارج وتفسيقهم وقتالهم دون تكفيرهم لأنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام وهذا يمنع من تكفيرهم أو إلحاقهم بمن لايقر بذلك .
أما إجماعهم على تبديعهم و تفسيقهم وضلالهم ووجوب قتالهم إنما كان لما عرف عنهم من تكفيرهم المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم.
وهذا الرأي هو لأكثر أهل الأصول من أهل السنة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/314) : "وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْأُصُول مِنْ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج فُسَّاق وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام ، وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك" .ا.هـ.
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/247) : "ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانوا أيضا يحدثونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم كما كان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري ، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق ...هذا مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة ومع هذا فالصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة ".ا.هـ.
الـــقـــولُ الـــثـــالـــثُ :
التوقف عن تكفير الخوارج وكما ذكرنا أنه الغالب على الإمام أحمد.
روى الخلال في السنة (ص145 رقم 111) بإسناده فقال : "وأخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبدالله قيل له : أكقر الخوارج ؟ قال : هم مارقة ، قيل : أكفار هم ؟ ، قال : هم مارقة مرقوا من الدين . "إسناده حسن" .
وقد توقف في المسألة أيضا الباقلاني والغزالي قال الحافظ في الفتح (12/314) نقلا عن القاضي عياض : " وَقَدْ تَوَقَّفَ قَبْله الْقَاضِي أَبُو بَكْر الْبَاقِلَّانِيّ وَقَالَ : لَمْ يُصَرِّحْ الْقَوْم بِالْكُفْرِ وَإِنَّمَا قَالُوا أَقْوَالًا تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْر" .
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي كِتَاب " التَّفْرِقَة بَيْن الْإِيمَان وَالزَّنْدَقَة " " وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاحْتِرَاز عَنْ التَّكْفِير مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَإِنَّ اِسْتِبَاحَة دِمَاء الْمُصَلِّينَ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأ , وَالْخَطَأ فِي تَرْك أَلْف كَافِر فِي الْحَيَاة أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَأ فِي سَفْك دَم لِمُسْلِمٍ وَاحِد .." ا.هـ.