#كانوا_معنا: أمير الشعر النبطي تحوّلت بيشة بوفاته إلى "مأتم كبير"

"ابن جدلان" تُوفي تاركاً وراءه أنهاراً من القصائد والسيرة الحسنة
#كانوا_معنا: أمير الشعر النبطي تحوّلت بيشة بوفاته إلى "مأتم كبير"
تم النشر في

توشحت الساحة الشعرية بالسواد، يوم الثلاثاء التاسع عشر من رجب للعام الجاري، عندما ترجل فارسها وأميرها الشاعر سعد بن جدلان الأكلبي؛ شاعر الجزيرة العربية، وعلى مدى سنوات مضت سار الكثير على وقع حروف قصائده وحكمته.
 
شاعر القلطة والعرضة
رحل  شاعر القلطة والعرضة والنظم بعد تسعة وستين عاماً من عمره قضى جُلها متسيّداً الكلمة، حيث لم يترك ابن جدلان باباً في الشعر إلا طرقه وأجاد وتألق فيه، منها الابتهال والحكمة والوطن والوصف والغزل والرثاء، أحب الناس ابن جدلان لذاته قبل شعره، فقد كان إنسان مترفعاً الولوج في معارك الساحة الشعرية ومهاتراتها، حيث كان يكتب الشعر للشعر، تاركا لجمهوره الاستمتاع والاستعذاب، رحل ابن جدلان تاركا خلفه إرثاً كبيراً من القصائد وبصمة شعرية لا تمحوها الأيام وتعاقب السنين.
 
السيرة الذاتية
وُلد ابن جدلان عام 1947 م، في مدينة بيشة، وينتمي لقبيلة أكلب. اشتهر بأسلوبه الجزل، وتميزه في الشعر النبطي، ونشأ في قرية الشقيقة الواقعة في مدينة بيشة شاعراً لقبيلته بني سعد من أكلب في جميع المحافل. وهو أيضاً يجيد شعر المحاورة والعرضة والنظم. ولُقب أيضاً بـ "ملك الوصف". وصدرت له دواوين شعرية مسموعة وديوان شعري واحد مطبوع اسمه "سمان الهرج".
 
ينتمي سعد بن جدلان إلى قبيلة أكلب وهو من عائلة معروفة بالشعر، فوالده وجده وأغلب إخوته شعراء، ونشأ في محاف بيشة في قرية الشقيقة حياة الصبا والمراهقة، ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية والتحق بالحرس الوطني هناك، وكان ينظم الشعر في صغره، ولكنه لم يبرز في شعر النظم إلا في سن العشرين؛ حيث مارس الشعر حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى.
 
الطيبة والتسامح
في أثناء رحلة البحث عن حياة الراحل الشخصية التي لطالما عرفه المجتمع شاعراً يبحر بهم ويمتعهم، التقينا أحد الأصدقاء المقرّبين للراحل وهو ‪الشاعر نايف علي الغامدي، الذي قال لـ "سبق": إن سعد بن جدلان الإنسان بعيداً عن الشهرة والشعر هو البدوي المفطور على طيبة النفس وبياض القلب وحب الناس والخير كان متسامحاً مع الكل، وله مع ربه رجاء وخوف لا ينقطع سواء في تصرفه أو على لسانه، كما كان ذكر الله، أبرز سماته فكان يردّد دائماً "لا إله إلا الله .. واجب توحيده كل ما نصبح ونمسي لا إله إلا الله"، حيث لم أشهد له خلافاً أو خصومة مع أحد، كان يحب الجميع ويعطي من وقته الكثير للجلوس مع الأصدقاء وجمهوره الكبير في كل مكان دون ملل أو كلل، وكان محباً للأعمال الخيرية والإنسانية.
 
 وأشار الغامدي؛ إلى أن ابن جدلان كان يبتعد عن الولوج والدخول في المهاترات الشعرية مع الشعراء الآخرين، وذلك ما جعل الجميع يتفق على محبته.
 
ذكريات قريبة
بنبرة حزن وأسى، قال الغامدي إن رمضان الحالي هو أول دورة له دون أن يكون معنا صديقي ابن جدلان، سائلين الله أن يسكنه فسيح جناته، لافتاً الى أن رمضان العام الماضي قام بزياره للعاصمة الرياض وشرفني هو والشاعر مبارك بن مدغم؛ بزيارة منزلي، ولا أنسى جلستنا الجميلة على الإفطار؛ حيث كان - رحمه الله - يمازح الصغير قبل الكبير ويضفي جواً روحانياً بطيبته المعهودة ويصر على إطعام الأطفال شخصياً لمحبته لهم، وكان يكثر من الدعاء قُبيل أذان المغرب.
 
في ذاكرة الجميع
قال أحد أقارب الراحل، وهو الشاعر مسفر بن هيف الأكلبي، إن الفقيد كان يشكل أحد أهم الأعمدة المجتمعية، كانت أدواره وحكمته سديدة، كان الجميع يحب الجلوس معه، وخصوصاً في منزله أو المناسبات التي يُوجد بها، ها هو يأتي شهر رمضان ولا يشاركنا الراحل، كل مَن كانت تربطه علاقة بالراحل أجزم أنه متأثر بشكل كبير، كيف وهو الإنسان النقي قبل الشاعر الجزل، الراحل كان يفضل الإفطار مع الأقارب والأصدقاء، الجميع اليوم يتذكره ويدعو له بالرحمة والمغفرة.
 
الكتابة في رمضان
وأشار ابن هيف؛ إلى أن شاعر بحجم الراحل قريحته الشعرية لا تتوقف أبداً بمختلف الأوقات والظروف، لطالما عرفناه يكتب في شتى المواقف والمناسبات، كان موسوعة شعرية وفكرية يجيد الكتابة على قالب السهل الممتنع.
 
ولفت إلى أن الكثير من رسائل التهنئة المنتشرة في الأعياد هي من النصوص التي يكتبها الراحل؛ حيث كان لها طابع فريد يجعل كل مَن يسمع النص يحفظه ويتداوله، وخصوصا بمواقع التواصل الاجتماعي.
 
شاعر الجزيرة
كان للعملاق ابن جدلان الكثير من الألقاب منها شاعر الجزيرة الذي كان يحب جمهوره المنتشر بمختلف دول العالم العربي أن يلقبه به؛ لما يملك من شعر يبحر به في فؤاد كل من يسمعه ويجالسه.
 
آخر قصائده
كتب الراحل آخر قصائده الشعرية قبل وفاته إلى الداعية الشيخ عايض القرني، الذي كان مطلعها "يا الله يالكريم المعطي المستعان الهاد.. تهديني لما ترضاه وبسترك استرني .. أخشى منك وارجي منك يالمعطي الجواد.. عن الشر تنهاني وللخير تأمرني".
 
وفاته
كان نبأ وفاة الشاعر سعد بن جدلان قد شكّل صدمة كبيرة على المجتمع السعودي والخليجي والعربي، حيث لم تبقَ وسيلة إعلامية أو موقع تواصل إلا كتب وعلّق على ذلك، من مختلف طبقات المجتمع، وتحولت مدينة بيشة إلى مقر عزاء يتجه إليه المئات والآلاف من المحبين، الصغير قبل الكبير.
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org