مفاتيح المنطقة بالرياض.. القمة العربية- الأمريكية.. مضامين عنوانها السعودية

ملف اليمن والتهديدات الإيرانية حاضرة.. وتوازن المملكة وتأثيرها الدولي بارز
الرياض
الرياض

بات واضحًا أن الإعلان عن اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بزعماء دول المنطقة في السعودية، هو اعتراف إضافي بأن الرياض هي عاصمة القرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وتسليم تلقائي بأن خيوط الملفات الشائكة تنتهي أطرافها في المملكة، التي أثبتت على الدوام، صحة رؤيتها في جميع القضايا الإقليمية والعالمية المختلف عليها.

في الرياض يجتمع الأشقاء العرب في قمةٍ تعقدها المملكة مع الرئيس الأمريكي، وتشمل قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وملك الأردن الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي؛ إذ تعد المملكة الدولةَ العربية الوحيدة التي يزورها "بايدن" في جولته بالمنطقة.

القمة المزمع عقدها 16 يوليو المقبل، تبشر بسياسات جديدة تقودها المملكة، كدولة صانعة للقرار في المنطقة، وليس دليلًا على ذلك أكثرُ من اختيارها للزيارة الأمريكية، والاجتماع بزعماء المنطقة؛ كتأكيد جديد على قناعة إدارة بايدن بأن مفاتيح أبواب كل الملفات الصعبة موجودة في خزائن السعودية.

ويأتي هذا الاعتراف بأهمية وثقل المملكة السياسيين، نتاجًا لنهج صناعة القرار المؤثر الذي تتبناه المملكة، وهو أمر ليس وليد اليوم أو نتيجة للأوضاع الراهنة، إنما سياسات وضعتها قيادات السعودية على مدار السنوات، وهي سياسات اتضح أنها مبنية على رجاحة الرأي وفقًا للأولويات والمعطيات، ومصالح المملكة والمنطقة بل والأمة الإسلامية والعالم.

دعم الأشقاء

وتبادر المملكة دائمًا بدعم الأشقاء، وتُواصل الوقوف بشكل مستمر بجوار حلفائها العرب، وخير دليل ما قدّمته من دعم للدولة المصرية في أزماتها، فبعد شهور سوداء عاشها المصريون سياسيًّا واقتصاديًّا في أحداث 25 يناير 2011 وحتى نهاية 2012، وجّهت المملكة دعمًا كبيرًا للدولة المصرية، عقب إسقاط نظام جماعة الإخوان في 30 يونيو 2013، سواء سياسيًّا أو ماديًّا، في جبهة موحدة بين القاهرة والرياض لوقف التهديدات التي تحيق بالشعب المصري.

وبدا الموقف السعودي واضحًا بتوجيه سياسة "الدعم السريع" للقاهرة الحليف العربي التاريخي، وترجم وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل هذه السياسة على الأرض بجولات مكوكية شرقًا وغربًا دعمًا لثورة المصريين في 30 يونيو 2013.

وتوالى الدعم السعودي على مدار سنوات طويلة للاقتصاد المصري الذي تهالك في الحقبة الإخوانية إلى اليوم؛ إذ أودعت المملكة في مارس الماضي خمسة مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري؛ تأكيدًا لتميز الصلات الثنائية بين البلدين والشعبين الشقيقين.

لم الشمل

واليوم ومن جديد يجتمع قادة الخليج العربي على الأراضي السعودية، التي خرجت منها مبادرة "لم الشمل" الخليجي والعربي، وتحديدًا عبر قمة العلا 2021، التي وحّدت الصف من جديد.

وكان حضور الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في السعودية، قويًّا، ولكلمته وقع مؤثر للغاية؛ إذ وجه حديثه للأشقاء الخليجيين قائلًا: "إن سياسة أشقائكم في المملكة العربية السعودية الثابتة والمستمرة، وخططها المستقبلية ورؤيتها التنموية الطموحة (رؤية 2030) تضع في مقدمة أولوياتها مجلس تعاون خليجي موحد وقوي، إضافة إلى تعزيز التعاون العربي والإسلامي بما يخدم أمن واستقرار وازدهار دولنا والمنطقة".

فببساطة كان الاتفاق ضمنيًّا وعلنيًّا على أن القرارات الخليجية -وتحديدًا المصيرية منها- ستكون "صنع في السعودية" مع الاحتفاظ بكونها تتم بمشاركة خليجية، فكل المحاولات لن تجدي نفعًا إن لم تكن المملكة طرفًا في المعادلة.

رؤية بعيدة المدى

ظهر الاتفاق النووي "سيئ السمعة" مع إيران في 2015، ومنذ ذلك الحين والمملكة تؤكد أن تعهدات طهران ليست إلا مزاعم وخطة لتطويل مدة المفاوضات كي تكتسب وقتًا كافيًا تمضي خلاله في مخططها النووي غير السلمي.

وبعد أكثر من 7 سنوات، تبينت الحقائق في النهاية بإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم جدوى المفاوضات مع إيران، كما اتهمت واشنطن طهران بخلط الأوراق، عبر تصريح واضح لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي كشف أن إيران تُقحم قضايا أخرى في المفاوضات.

الاتهام الأمريكي وصل إلى فضح ممارسات إيران بتبنيها عمليات تضليل كبيرة تستهدف عرقلة مراقبة منشآتها النووية؛ إذ حجبت كاميرات مراقبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأحد مواقعها النووية.

ليس هذا فحسب؛ بل حمّلت الولايات المتحدة، إيران مسؤولية عدم التوصل لاتفاق بشأن إحياء الاتفاق النووي المتداعي بالفعل، ولأن المعطيات الفاسدة تفضي لنتائج هزيلة وغير نافعة، أدركت المملكة من البداية مخطط التضليل والتلاعب بالحقائق، وحذّرت جميع المتفاوضين مع إيران، أنهم سيحرثون في الماء، وأن طهران تكسب معركة زمنية في الخفاء.

وقد ثبتت وجهة نظر السعودية الثاقبة وبعيدة المدى، لتأتي الولايات المتحدة في النهاية معترفة بأن إيران تريد المُضيّ في طريقها للوصول إلى السلاح النووي الذي يهدد المنطقة والعالم، وربما يشهد اجتماع بايدن في المملكة وضع خطة جديدة للتعامل مع دولة تريد التوسع بالشرق الأوسط مستندة لأسلحة دمار شامل.

لا رضوخ للضغوط

ونأت المملكة بنفسها سياسيًّا واقتصاديًّا في الصراع الأكثر سخونة بالعالم اليوم؛ فقد تحولت أوكرانيا لساحة حرب بين معسكري الشرق والغرب، واعتمدت السعودية سياسة ترتكز على عدة محاور هي الالتزام بالتعهدات والدعم الإنساني والعمل على تهدئة الوضع المتأزم.

وكانت المساعدات الإنسانية، صاحبة الأولوية في سياسات المملكة نحو الأزمة؛ إذ وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بتقديم مساعدات طبية وإيوائية عاجلة بقيمة 10 ملايين دولار للاجئين من أوكرانيا إلى الدول المجاورة، عبر التنسيق بين مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة.

وسياسيًّا ورغم الضغوط الكبرى؛ لم ترضخ المملكة للضغوط الغربية للإخلال باتفاق أوبك+؛ إذ أكملت مخططها المتوافق عليه مسبقًا من دول المنظمة.

ودائمًا ما تندد المملكة بالحرب والاقتتال، وهذا ما دفعها لتأييد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ختام جلستها الطارئة مارس الماضي، بإدانة الحرب في أوكرانيا، والمطالبة بالكف فورًا عن استخدام القوة.

ولكنها في الوقت نفسه اتخذت سياسة الاستماع لجميع أطراف الأزمة، فقد كان الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، يتلقى المكالمات الهاتفية من طرفي الحرب، مرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأخرى من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ في تطبيق للسياسة المتوازنة التي تقف على مسافة واحدة من الجميع؛ بل أعربت المملكة عن استعدادها لمساندة الجهود التي تؤدي إلى حل سياسي للأزمة في أوكرانيا، ويحقق الأمن والاستقرار، عبر دعوتها للوساطة في الأزمة بين موسكو وكييف.

تلك السياسة الدولية المتوازنة جعلت من المملكة محط اهتمام العالم عندما تتكلم، وظهر ذلك عندما رفضت ضخ المزيد من النفط والإخلال باتفاق أوبك+ رغم بعض المحاولات للضغط؛ حيث جرى التخطيط للزج بالسعودية في معركة ليست معركتها، ولكن المملكة فوتت تلك الفرصة، لأنها صانعة قرارها، فاتخذت موقفًا صارمًا وفق اتفاقية أوبك+ ونفّذت المتفق عليه.

دعم السلام باليمن

وأخذت المملكة على عاتقها منذ بدء الأزمة اليمنية، مهمة دعم السلام وإنهاء الاقتتال في هذا البلد العربي، وترجمت ذلك في قيادتها لمبادرة مجلس التعاون الخليجي للمشاورات "اليمنية- اليمنية"؛ دعمًا لجهود الأمم المتحدة لإحراز تقدم نحو وقف شامل لإطلاق النار وتسوية سياسية شاملة، وتمديد الهدنة لمدة شهرين بداية منذ مطلع يونيو الجاري.

ورعت المملكة المفاوضات اليمنية- اليمنية، ولعبت دور الوسيط الداعم للسلام، ودلل على حضورها الهام والفعال في المشاورات، الترحيبُ الأمريكي بدور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، في تمديد الهدنة في اليمن.

وعبّرت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، عن موقف واشنطن بوضوح، حين قالت: "لم تكن هذه الهدنة لتتحقق لولا الدبلوماسية التعاونية من جميع أنحاء المنطقة، وعلى وجه التحديد قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده، في المساعدة على توطيد الهدنة".

وأضافت متحدثة البيت الأبيض كذلك: "نرحّب بالإعلان عن استمرار الهدنة في اليمن لشهرين إضافيين، ومن المهم العمل على جعل الهدنة التي تم تمديدها اليوم دائمة"؛ مؤكدة أن بلادها ستواصل دعم الدبلوماسية الإقليمية لردع التهديدات الموجهة لأصدقاء وشركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وبنظرة متأنية ومتعمقة؛ فقد أثبتت كل التجارب الإقليمية والدولية أن المملكة متواجدة في عند كل طريق، لترشد من تضله الأوضاع والأزمات للرأي الراجح، والقرار المصيب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org