
تُعد السعودية من أهم الدول في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وأكثرها ثراء في العنصر البشري؛ إذ تتميز بالتنوع الديموغرافي الذي جعل ملايين المواطنين والوافدين يعيشون تحت سماء البلاد في تناغم لا يتكرر بدولة أخرى، وبشكل يدعو إلى الإعجاب بقدرة السعودية على احتضان جميع البشر تحت رايتها بمنتهى الود والكرم.
ومع مرور السنوات اكتسبت السعودية المزيد من أوجه التطور الذي جعلها واحدة من أكثر الدول التي تستقبل الوافدين والمغتربين، حتى أن دراسة حديثة قدرت أعداد المقيمين في السعودية بأكثر من 10 ملايين شخص، ينعمون بما يلاقونه من كرم وشهامة من أبناء السعودية من المواطنين، الذين أظهروا في مواقف مختلفة تمتعهم بالوفاء الذي يميزهم عن غيرهم؛ وبالتالي لا عجب من وجود العديد من القصص الإنسانية التي جسدت ملامح وفاء أبناء السعودية للمقيمين والمغتربين في بلادهم.
ومؤخرًا وجد مقطع فيديو مؤثر أصداء إيجابية؛ وذلك بعدما رصد أسمى معاني الوفاء لمواطن سعودي؛ قرر زيارة عامل مزرعتهم المصري في بيته بمصر، الذي كان يعمل لديهم قبل 40 عامًا، في مشهد يؤكد أن الوفاء طبع أصيل في نفوسهم.
ووفقًا للمقطع، فقد قام المواطن السعودي بزيارة العامل المصري في منزله بإحدى القرى الريفية، وسأله إن كان قد عمل في السعودية من قبل، فأجابه "نعم"، ثم سأله إن كان يتذكر أسماء أبناء صاحب المزرعة التي عمل بها، فسرد أسماءهم، وهم: محمد والشيخ علي وعبدالله وزيد والابن الأصغر عبدالعزيز، فسأله المواطن، هل تعرفني؟ فأجابه "لا"، فأخبره بأنه "عبدالله" ابن صاحب المزرعة.
وقبل أشهر قليلة انتشرت قصة طلاب إحدى مدارس محافظة محايل عسير، الذين لم ينسوا معلمهم المصري الذي تلقوا تعليمهم على يديه قبل أكثر من أربعة عقود؛ إذ دعوه لتكريمه في بادرة تجسد معنى الوفاء. ووقتها قال أحمد العاصمي، أحد طلاب المعلم المصري، إنه فكر في زيارة معلم قدم له ولزملائه الطلاب الكثير، وبالفعل نسق بالجوال مع ابنه محمد، وسافر إلى محافظة الأقصر في مصر، واستقبله ابنه في المطار، وذهب به إلى منزلهم في محافظة قنا، وقدم له معلمه كرم الضيافة وحسن الاستقبال هو وأبناؤه.
وأضاف بأنه عندما رجع إلى محايل عسير، وحدَّث زملاءه عن الرحلة، أبدوا رغبتهم في استضافة معلمهم للزيارة تعبيرًا له عن الحب والتقدير لما قدمه للجميع خلال المرحلة الابتدائية، والمساهمة في توجيههم للطريق الصحيح. متابعًا بأنه تم استضافة المعلم عبدالفتاح مع ابنه محمد من مطار أبها بالسيارة، وتم إدخال السعادة والسرور إلى قلبه، وبالفعل استمرت مدة الزيارة شهرًا في ضيافة أبنائه الطلاب، متنقلين بهذا المُعلم والمربي الفاضل في أكناف قراهم بعد أن بدؤوا بزيارة مبنى المدرسة القديمة.
وبالصورة نفسها، وبعد أكثر من 10 سنوات، تجدد اللقاء مصادفة بين الطبيب السعودي الدكتور محمد الزهراني، استشاري الجراحة العامة والمناظير، ورائد جراحة المناظير في ألمانيا البروفيسور "نوربت رانكل"، في منطقة عسير، وانتشرت مشاهد اللقاء بشكل واسع بين السعوديين، فيما وصف "الزهراني" تلك اللحظات المؤثرة التي جمعته بأستاذه الذي رافقه خلال فترة الابتعاث بمستشفى "سفارز فالد" بألمانيا عام 2013 بأنها "أجمل فرصة لرد الجميل".
كما أكد "الزهراني" أن اللقاء ملأته دموع الفرح بعد انقطاع لسنوات بسبب مرض "رانكل"، وتعذُّر التواصل معه، إلا أن المصادفة عادت لتجمع بينهما بعد أن زار الضيف الألماني منطقة عسير، وراح يسأل ويبحث عن تلميذه الذي قضى معه عامًا كاملاً.
وفي العام الماضي أثار المواطن السعودي عايد الشمري إعجاب الجميع بعدما تكفل ببنت خادمته وسائقه بعد وفاة أمها، وقام بتربيتها ورعايتها مع أبنائه، وفي أحضان أسرته، حتى أصبحت أحد أفرادها بالرضاعة في موقف إنساني عظيم، عنوانه الرحمة والإخاء، وذلك بعدما تلقى الوافد البنجلاديشي حسن عابدين مفاجأة إنسانية بعد وفاة زوجته وولادة ابنته الرضيعة، حينما تلقى طلبًا من كفيله برعايتها وتربيتها والاهتمام بها كأحد أبنائه طمعًا في الأجر والمثوبة لكافل الأيتام بصحبة النبي الكريم في الجنة.
وقال عايد الشلاقي الشمري، كافل الطفلة اليتيمة "رحمة": "بعد وفاة والدتها -رحمها الله- تلقيت اتصالاً من حسن الذي كان منشغلاً وقلقًا بوضع رضيعته اليتيمة؛ فأظهرت له رغبتي بكفالتها وتربيتها كأحد أبنائي وبناتي". مشيرًا إلى أنه بعد مرور ثلاثة أشهر من كفالته الطفلة أنجبت زوجته "سيف"، وأرضعتها مع مولوده الجديد. مضيفًا: "نحمد الله ونشكره أنها صارت بنتا لنا". مختتمًا حديثه: "أحمد الله الذي خصنا بهذه الرحمة، ورزقنا بالطفلة رحمة".
وفي عام 2018 انتشر مقطع فيديو مؤثر يرصد اللحظة التي ودع فيها أفراد أسرة سعودية خادمتهم، وهي من جنسية آسيوية، في المطار، بعد خدمة 33 عامًا، ساعدت خلالها هذه الخادمة الأم في تربية الأبناء والبنات. وفي اللقطات ظهرت الخادمة بينما لم تعد قادرة على الحركة؛ إذ كانت تجلس على كرسي متحرك، وقد انهمرت دموعها حزنًا على فراق الأسرة، التي بدا على أفرادها الحزن الشديد لوداعها.
وفي وقت سابق كشف مواطن سعودي من أبناء حائل عن قصة غريبة التفاصيل، جمعته مع مغترب يمني؛ إذ أوضح أنه كان في طريقه إلى الرياض عندما تعرضت سيارته لعطل (انفجار كفر السيارة)؛ واضطر لتبديله، ولكن وأثناء محاولته استعمال بطاقته لسحب أموال من ماكينة الصراف تعرضت هي الأخرى لعطل أيضًا، لكنه عند عودته إلى اليمني شعر الأخير بأنه وقع في مأزق مادي، فسارع لجمع 2500 ريال، وأصر على السعودي لأخذها كاحتياطي للوصول إلى الرياض.
وبعد فترة قليلة صادف أحد أبناء السعودي اليمني المقيم نفسه في الرياض، وحدق في ملامحه؛ ليسأله عما إذا كان هو الذي يعمل على طريق حائل؛ ليتأكد من أنه هو، وأن منزله جرفته السيول التي ضربت اليمن مؤخرًا؛ ليحصل على مساعدة من السعودية بمبلغ 250 ألف ريال.
وفي العام الماضي تمكن أهالي نجران من إنقاذ حياة مواطن سوداني؛ حُكم عليه بقطع الرقبة والقصاص منه بعد قتله مواطنًا سعوديًّا عن طريق الخطأ؛ فقبل 48 ساعة من تنفيذ الحكم سدد أهالي نجران ما عليه من دية، وأنقذوه من الموت.
وروى مقيم سوادني في السعودية أن المقيم السوداني كان محكومًا عليه بالقصاص في السعودية، ولم يستطع دفع الدية، وأوضح أنه تبقى 48 ساعة على تنفيذ الحكم بحق الوافد من جنسيته، لافتًا إلى أن فزعة أهالي منطقة نجران أنقذت المقيم السوداني من قطع رقبته.
وبالشهامة نفسها دفع عدد من المواطنين والمواطنات في السعودية من محافظة الطائف دية، بلغت أكثر من ثمانية ملايين ريال؛ لإنقاذ وافدَين من الجنسية المصرية، أقدما على جريمتَي قتل مصريَّين في السعودية، لكن بعد جهود واسعة من لجنة إصلاح ذات البين تم التنازل. أما القضية الأخرى فهي لقاتل يمني، تنازلت أسرة القتيل عنه، إضافة إلى قضية سُجلت بحق وافد فلسطيني؛ قتل فلسطينيًّا آخر، وأُعفي عنه بعد دفع الدية من الأموال التي جمعها السعوديون، وأيضًا قضية إنقاذ مصري قتل بنغلاديشيًّا.
وفي سياق آخر، فقد تحلى مواطن سعودي بالشهامة التي جعلته يقع في ورطة حينما سلَّم وافدًا يمنيًّا هوية والدته؛ كي يتمكن الوافد من علاج والدته المريضة دون أن يدفع الأجر، مخالفًا القانون المطبق في السعودية؛ فقام اليمني بإدخال والدته المستشفى بهوية أم المواطن، لكن الوالدة ما لبثت أن توفيت داخل المستشفى بعد أن تم تسجيلها ببيانات هوية المواطنة؛ ما أدخل ذوي الأم اليمنية والسعودي الذي سلَّمه هوية والدته في ورطة خوفًا من النظام بعد اكتشاف الواقعة.
ووقتها قال المتحدث الرسمي لصحة الطائف، عبد الهادي الربيعي، إن أحد الأشخاص حضر لقسم الطوارئ برفقة مريضة، ذكر أنها والدته، وقدم هويتها السعودية؛ فتم إدخالها المستشفى، لكن وافتها المنية لاحقًا، بينما سجلت بيانات المتوفاة وفقًا لما هو مدون في إثبات الهوية المقدمة وبيانات الدخول. وبحكم ارتباط نظام المستشفى بنظام وزارة الداخلية والأحوال المدنية أسقطت نظامًا بحكم وفاتها لإصدار شهادة الوفاة.
وتابع بأنه تم الاتصال بالعائلة السعودية؛ كون البيانات تعود للمواطنة لتسليم الجثة، لكنهم اعتذروا وأبلغوا أن هناك خطأ في اسم المتوفاة، وأن المرأة المتوفاة هي جارتهم، وأن أحد أفراد الأسرة منح نجل المتوفاة بطاقة هوية والدته لعلاجها مجانًا؛ إذ رغب الجيران في مساعدتهم نظرًا لكون المتوفاة وأسرتها من الأجانب، ويخضعون لنظام العلاج بمقابل مادي؛ فتم تحويل القضية للجهات الأمنية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، في حين تم تسليم الجثة لذويها.