تناولت الأمثال القرآنية وصف حال الكافرين وبيان أعمالهم التي تُعد خادعة لهم، ولن تنفعهم أو تشفع لهم، ووصفت أفعالهم بـ"السراب" الذي يُرى عند اشتداد الشمس نهاراً، ويعتقد كل من يراها أنها "ماءً" وهي زيفٌ كاذب ولا أصل له، وبيّنت الرسائل الإلهية تمام إحكام أمر الحساب الذي يبدأ من قيام الحجة وبعث الرسل، ثم العدل والشمولية في محاسبة العباد، فريقاً فائز وآخر خاسر.
"سبق" وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضاً من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري"، بقوله تعالى، "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ". وأشار، بقوله: هذا مثل ضربه الله لبيان حال أعمال الكافرين به وأنها خادعة لهم، إذ يعتقدون أنها نافعة لهم، وهي في حقيقتها كسراب وهو الشعاع الذي يُرى عند اشتداد الشمس في النهار، بأرض متساوية، فيظن من يراه من بعيد أنه ماء، وما هو إلا زيف خادع، فكما أنّ الناظر للسراب يرجو نفعه فيصاب بالخيبة حينما ينقشع، فكذلك الكافر بتوحيد الله يجد الحسرة والخسران المبين يوم الحساب والجزاء على الأعمال.
وذَكَر الباحث الشرعي للدراسات القرآنية عدة فوائد، منها: حقيقة الإنسان عمل يُقابل الله فيه، "يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية"، ويجازى بعمله وفي الحديث الصحيح، "يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ". كما قال مفهوم الآية يُفيد بأن أعمال المؤمنين ثابتة ولهم نافعة لهم بالجزاء يوم لقاء الله، قال - تعالى - "إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُون".
وأضاف: من الذكاء العقلي والزكاء القلبي أن يُحسن العبد تأليف كتاب عمره الذي يؤلفه في هذه الحياة، ليقابل الله به، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً"، وقال - تعالى - كذلك، "وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"، وهذا من تمام عدل الله في عباده أن جعلهم يشاهدون كتاب أعمالهم في يوم العرض على الله، فطوبى لمن أحسن تأليف كتابه.
وواصل "الذكري" حديثه: تمام إحكام أمر الحساب والجزاء عند الله، ابتداءً من قيام الحجة ببعث الرسل، "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ.."، ثم العدل والشمولية في الحساب؛ "فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ"، في دقة متناهية، "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ"، وثمرة العلم بهذا أن يحرص أحدنا على إقبال القلب وصلاح العمل فالأمر جدُّ لا هزل فيه.
مشيراً بقوله: جاء التعبير بإعلام العبد بتوفيره جزاء أعماله، كما في - تعالى - "فوفّاه حسابه"، مستشهداً بما قاله ابن عاشور - رحمه الله - "أيْ أعْطاهُ جَزاءَ كُفْرِهِ وافِياً. فَمَعْنى (فَوَفّاهُ) أنَّهُ لا تَخْفِيفَ فِيهِ، فَهو قَدْ تَعِبَ ونَصِبَ في العَمَلِ فَلَمْ يَجِدْ جَزاءً إلّا العَذابَ".
وختم الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية حديثه عبر "سبق"، بقوله: من علم أنه سيقابل العليم الخبير، البصير السميع، فليعمل عملاً يرجو النجاة به، وليبشر فالله رحيم كريم ودود لمن أطاعه واستجاب لأمره.