النداء في القرآن الكريم صورة من صور بلاغته ووَجْهٌ من أَوْجُه بيانه

في حلقة "سبق" الرمضانية الـ11 مع دكتور البلاغة والأدب "زيد الخريصي"
النداء في القرآن الكريم صورة من صور بلاغته ووَجْهٌ من أَوْجُه بيانه

النداء في القرآن الكريم صورة من صور بلاغته، ووَجْهٌ من أَوْجُه بيانه، وطريقةٌ من طُرق وعظه وإرشاده، ووسيلة من وسائل تشريعاته، ومنهج من مناهج أوامره، ونواهيه، وبشارته، ووعده، ووعيده.

وأشهر أدوات النداء في القرآن الكريم أداة "يا"، التي ارتبطت بطلب إقبال المدعو؛ ليصغى إلى أمر ذي بال؛ لذا غلب أن يلي النداء أمر أو نهى في أساس فهم الدين، وما يرتبط به في الأوامر والنواهي التي عقدت بها سعادة الدارين، وكذلك المواعظ والزجر والقصص لهذا المعنى.

قبسات بلاغية

"سبق" في الحلقة الرمضانية "الحادية عشرة" من "قبسات بلاغية" خصصت الحديث عن بعض بلاغة النداء في القرآن الكريم، وتستضيف بشكل يومي طوال شهر رمضان المبارك دكتور البلاغة والأدب "زيد بن فرج الخريصي".

النداء.. وعلم المعاني

قال الخريصي: النداء فن من فنون علم المعاني، وشغل مساحة واسعة في الخطاب القرآني، واختلفت أطرافه بين نداء الخالق للمخلوق على اختلاف أنواعهم: نداء إلى الأنبياء والرسل، ونداء إلى الناس عامة، ونداء إلى المؤمنين، ونداء إلى الكفار، ونداء إلى العصاة، ونداء إلى الجن، ونداء إلى الجماد. وكذلك نداء الرسل لأقوامهم.

وتعددت بذلك مقاصده، واختلفت أغراضه، وتشعبت سياقاته ومواقفه.

إقبال المدعو

وأضاف "دكتور البلاغة والأدب": النداء هو "طلب إقبال المدعو على الداعي بأحد حروف مخصوصة، ينوب كل حرف منها مناب الفعل (أدعو)". وتتألف جملة النداء من: "أداة نداء + منادى + الأمر المنادى لأجله". وله أدوات مخصوصة، منها ما هو للقريب، ومنها ما هو للبعيد، ومنها ما يشترك بين القريب والبعيد. وتُستعمل هذه الأدوات لغير ما وُضعت له لأغراض بلاغية، فرضها المقام.

أداة النداء في القرآن

وواصل "الخريصي" حديثه: ولم يرد النداء في القرآن الكريم إلا بأداة النداء "يا"؛ إذ جاءت في "361" موضعًا، توزعت بين السور المكية والمدنية، واقترنت بـ"أيها" في "يا أيها" في "143" موضعًا، وحذفت هذه الأداة في "65" موضعًا، ولم تذكر هذه الأداة مع لفظ (رب) إلا في موضعين اثنين، في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} "الفرقان: 30"، وفي قوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ} "الزخرف:88". وذُكرت أداة النداء "يا" في هذين الموضعين؛ لأنهما مقام شكوى، وإظهار ضعف. يقول الدكتور أحمد أحمد بدوي عن السر في مجيء "يا" في الآية الأولى هو: "تعبير عن حالة نفسية، ألمت بالرسول، وقد أفرغ جهده في دعوة قومه وإنذارهم، فلم يزدهم ذلك إلا تماديًا في كفرهم؛ فأطبق الهم على فؤاده، وكأنما شعر بتخلي الرب عن نصرته، وبُعده عن أن يمد إليه يد المساعدة؛ فأتى بحرف النداء، كأنما يريد أن يرفع صوته، زيادة في الضراعة إلى الله، واستجلاب رضاه".

نداء الخالق للخلق

وواصل قائلاً: كثر النداء في القرآن الكريم في قوله: {يأيها الذين آمنوا}، وهو نداء من الخالق إلى خلقه تذكيرًا لهم بالعهد الذي عاهدوا الله -عز وجل- عليه، وهو الإيمان بما أمرهم بالإيمان به، وكأنه يحثهم بهذا الوصف على أن يقبلوا على ما يأمرهم به فيأخذوه، وعلى ما ينهاهم عنه فيجتنبوه. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا ما سمعت الله -عز وجل- يقول: {يأيها الذين آمنوا} فأرعه سمعك؛ فإن من بعده خيرًا يأمر به، أو شرًّا ينهى عنه".

لطيف النداء

وختم الدكتور "الخريصي": من لطيف النداء ما جاء في قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} "النور:31"؛ إذ أخَّر النداء عن الأمر، فقال أولا: "توبوا"، ثم قال "أيها المؤمنون"؛ لأن النداء في أصله لتنبيه الغافل أو البعيد، وهؤلاء ليسوا بالغافلين، ولا بالمحل البعيد؛ ذلك أنهم مؤمنون؛ أي: صار الإيمان نعتًا لهم، فهم معرفون بالصفة لا بالصلة؛ أي إن الإيمان في قلوبهم صار ملازمًا لهم ملازمة النعت منعوته، فهو فيهم كالطول في الطويل، والقِصَر في القصير، لا يكاد يتخلى عنه. وقد جاء البيان بكلمة "المؤمنون" في سياقات التشريف والتكريم والثناء.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org