في مشروع علمي ضخم تنوّعت فنونه ما بين شرعية وتاريخيّة ولغويّة وجغرافيّة وأنساب وأشعار وتراجم، أنجزت "دارة الملك عبدالعزيز"، كتابًا موسوعيًا من 19 مجلدًا، بعنوان : "الأعمال الكاملة للمؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى"، إذ جمعت الدار في المشروع مؤلفات الشيخ المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى".
وفي التفاصيل، رعى المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، في حفل كرنفالي ثقافي كبير، حفل تدشين (الأعمال الكاملة للمؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى)، بحضور عددٍ من المسؤولين والشخصيات البارزة وأسرة المؤرخ؛ وذلك في مقر دارة الملك عبدالعزيز بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض.
وقدّم عضو مجلس الوزراء "خالد بن عبدالرحمن العيسى" هدية تذكارية من أسرة المؤرخ المحتفى به "ابن عيسى" للأمير فيصل بن سلمان؛ تقديرًا لرعايته الكريمة، ثم التُقطت الصور التذكارية.
هذا المشروع العلمي الموسوعي ، بُذلت فيه جهود جبارة وأعمال مضنية متواصلة طيلة السنوات الماضية ، مما جعله مرجعًا علميًا تاريخيًا تراثيًا للحقبة التي عاشها الشيخ المؤرخ "إبراهيم العيسى"، هذا المشروع المميز نتاج العديد من المخطوطات العلمية والتاريخية، والعمل على تحقيقها وإخراجها مر بعدة مراحل نلخصها في النقاط التالية:
وهي: مخطوط حرب البسوس، وحاشية الروض المربع، وتاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، وعقد الدرر، ومختصر عنوان المجد، والمجموع الكبير، وجامع الفوائد، ويضم منتقى من مجموع المنقور، وتاريخ منقول من نوازع، وتلخيص أمراء البلد الحرام، وأيام العرب في الجاهلية، إلى جانب جامع الفوائد، وأشعار مختارة، ثم تراجم العلماء، ونوادر الوثائق، ويختم بتقييدات ابن عيسى.
وبدئ العمل بجمع المواد ورصد المخطوطات وتحديد أماكن وجودها داخل المملكة العربية السعودية وخارجها ، ثم العمل على صفّها.
تم طباعة تلك الثروة العلمية في أكثر من (7000) صفحة، ثم فحصها ومراجعتها وفهرستها وتحقيقها والتعليق على ما يحتاج منها إلى تعليق، وأعدّت فهارس للمجموع ؛ تسهل على الباحث الحصول على المعلومة التي يسعى إليها.
ونظرًا لحجم المشروع وتنوّع فنونه ما بين شرعية وتاريخيّة ولغويّة وجغرافيّة وأنساب وأشعار وتراجم، فقد شُكّلت لجان للمشروع، مكونة من: اللجنة الإشرافيّة، ولجنة ضبط النّص والمطابقة، ولجنة جمع المخطوطات والوثائق.
استغرق العمل على المشروع سنوات عدّة، حيث مرّ بمراحل، ووصل عدد أفراد فريق العمل ما يقارب من عشرين شخصًا، موزعين على اللجان المذكورة آنفًا.
سار المشروع على منهجية واضحة من حيث جمع ما أمكن من تراث الشيخ إبراهيم بن عيسى، ونسخه، من أجل الاطلاع على محتويات ما كتب الشيخ، خصوصًا أنه قد ترك تراثـًا كبيرًا، لكنّه مشـتت في أماكن مختلفة، ثم رُتبت هذه المنسوخات بحيث ما تبيّن أنه كتاب له اسـم مسـتقل طبع بعنوانه، وما كان من المجاميع والأوراق التي كان يدون فيها ابن عيسى أبحاثه وفوائده وملخصاته، فقد نُسخت كل مجموعة على حدة.
كانت الأصول التي جرى الرجوع إليها هي مخطوطات الكتب التي جمعت من مناطق مختلفة من بلدان العالم، فمن المملكة العربية السعودية جمعت (350) مخطوطة، و(220) وثيقة، و (133) رسالة، ومن دولة الكويت (102) مخطوطة، ومن جمهورية مصر (15) مخطوطة، ومن جمهورية العراق مخطوطة واحدة، وكذلك من الولايات المتحدة الأمريكية.
واستغرق العمل في هذا المجموع الكبير كثيرًا من الوقت والجهد في البحث عن أماكن وجود المخطوطات والوثائق والرسائل، وتصنيفها وتدقيقها وتحقيقها، ومقارنة نسخها، وما كان له أن يتحقق لولا فضل الله تعالى أولاً، ثم الدعم السخي من قيادتنا الرشيدة حفظها الله.
ومن التحديات التي واجهت مشروع إنجاز الأعمال الكاملة للشيخ ابن عيسى أن كتبه ليست مجموعة في مكان واحد، بل متفرقة، فبعضها في خزائن المكتبات في داخل المملكة أو خارجها، وقد يكون في الحصول على بعضها مشقة، إضافة إلى أن كتبه ودفاتره يغلب عليها طابع الكنانيش، وليست مؤلفات مرتبة لها عنوانات واضحة، كما أنها ليست مرقمة في معظمها، فكانت تحتاج إلى مزيد من النظر، ومن التحديات أيضًا أن كثيرًا من أوراق ابن عيسى قد كُتبت بخط مستعجل، وفيها كثير من الشطب وبعض أوراقها مهترئة أو متآكلة، فلزمها بذل كثير وجهد كبير للتدقيق والمراجعة؛ لفك الخط وقراءته.
هذه التحديات والصعوبات ، تعكس ما بذل في إخراج المشروع الضخم ، من جهد كبير وعمل دوؤب متواصل.
جاءت الموضوعات المطروحة في مؤلفات الشيخ ابن عيسى متنوعة، فلم تقتصر على علمٍ معيّن، فقد تنوعت بين الكتب العلمية ، والأشعار، والأحداث والأنساب ، ولم يقتصر على تاريخ العرب وأيامهم؛ بل تعدّاه إلى تاريخ العجم، كما اعتنى بتراجم العلماء، ونوادر الوثائق.
من أبرز سمات مؤلفات الشيخ ابن عيسى - من حيث عمق المحتوى العلمي - أنها تناسب طالب العلم في بدء تكوينه العلمي والثقافي، وفي الوقت نفسه تناسب الشيخ العالم ، وصاحب الاختصاص ، كما جاءت مؤلفات ابن عيسى - من ناحية الحجم- شاملة المختصرات، والمنتخبات من الكتب.