أوصى سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، حجاج بيت الله الحرام بإخلاص الحج لله تعالى، واتباع سنة نبيه المصطفى، وأن يعظموا حرمات الله وشعائره في أدائهم النسك.
جاء ذلك في كلمة سماحته بمناسبة الحج لهذا العام، قال فيها:
"نحمد الله عز وجل أن مَنَّ علينا بهذا الدين العظيم دين الإسلام، الذي شرعه الله على أركان ودعائم عظيمة، قال عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت"، وفي هذه الأيام المباركة يتوافد حجاج بيت الله إلى البلد الأمين في ظل تسهيلات وخدمات جليلة، تقدمها هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية أدام الله عزها وتوفيقها.
وبهذه المناسبة نوصي حجاج بيت الله الحرام بالأمور الآتية:
أولاً: أن يُخلص الحاج حجه لله تعالى، وهو أن يقصد المسلم بحجه وجه الله وحده، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
ثانيًا: أن يحرص الحاج على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في حجه، لذلك حرص عليه الصلاة والسلام في حجته التي ودَّع فيها الناس أن يتلقوا عنه مناسكهم قائلاً لهم: "خذوا عني مناسككم".
ثالثًا: أن يُعظّم الحاج حرمات الله في الحج، قال الله تعالى في سورة الحج: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]، وقال جل وعلا: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
ويدخل في حرمات الله وشعائره مناسك الحج، ومن تعظيمها أن يأتي بأركانها وواجباتها، كما قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فإذا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 196].
ومن تعظيم حرمات الله أن يبتعد الحاج عن المعاصي والسيئات، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
ومن تعظيم حرمات الله أن يتعاون الحاج مع الجهات المسؤولة في إنفاذ كل الأنظمة والخطط التي ما وُضِعَت إلا لتيسير تنقلات الحجاج وطمأنينتهم وسكينتهم، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع في تنقلاتهم على السكينة وعدم العجلة، وكان في طريقه من عرفة إلى مزدلفة يوصيهم بقوله: "السَّكِينةَ السَّكِينةَ فإن البر ليس بالإيضاع" يعني: ليس بالإسراع.
كذلك من تعظيم حرمات الله: أن يحرص الحاج على نظافة المشاعر، ويتعاون مع الجهات ذات العلاقة التي تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
ومن تعظيم حرمات الله أن يُقبل الحاج على حجه، ويبتعد عن كل ما يؤثّر على حجه وطمأنينته وسكينته، سواء كان ذلك من الخصام والمراء الذي يوقع الشحناء والبغضاء، أو من الهتافات والشعارات السياسية، فموطن الحج موطن ذكر وعبادة، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].
وعلينا في هذا المقام أن نستشعر نعمة الله على المسلمين، بما يسر الله تعالى لهم حج بيته الحرام والاجتماع في هذا المكان المبارك، في ظل خدمات عظيمة وتسهيلات كبيرة، تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- أسهمت بفضل الله في أن يؤدي الحجاج حج بيته الحرام في يسر وطمأنينة، وسلامة وسكينة، ونسأل الله تعالى أن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- وحكومتهما الرشيدة خير الجزاء، كما نسأله سبحانه أن ييسر على الحجاج حجهم، وأن يكمل لهم شعيرتهم، وأن يردّهم إلى بلادهم سالمين مأجورين، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين".