الأمثال القرآنية.. أساليب بلاغية أبكت "السلف" وأخشعت قلوبهم.. وهنا ومضات لبعض منها

أولى حلقات "سبق" في البرنامج الرمضاني "هدايات قرآنية" مع الباحث "محمد الذكري"
الأمثال القرآنية.. أساليب بلاغية أبكت "السلف" وأخشعت قلوبهم.. وهنا ومضات لبعض منها

تَحمِل الأمثال القرآنية فوائد عظيمة وبلاغة جليلة، وتُعد واحدة من أساليب الصياغة الفنية الرائعة التي تدل على الإعجاز القرآني، وإبراز معانيه، بصُور تُساهم على فهمه واستقراره في الأذهان، فتُهذّب النفوس، وتُعيد بناءها، وتبلُغ الحُجج مبلغها.

"هدايات قرآنية".. طيلة رمضان

"سبق" تُطلق برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، وتستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضاً من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.

شمولية هدايته

بدايةً، قال الباحث "الذكري": القرآن نعمة الله السابغة، وحجته الدامغة، قارئه لا يمل، وسامعه لا يكل، تكفل الله بحفظه، وجعله مشعل هداية، قال تعالى: (الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ ‌فِيهِۛ ‌هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ). [البقرة: 1-2]، وشفاء ورحمة للقلوب والأبدان، (وَنُنَزِّلُ ‌مِنَ ‌ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ). [الإسراء: 82]، بل أكّد ونبّه على أن هدايته شاملة لكل خير من الأخلاق والآداب والعقائد والأحكام: (إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ ‌يَهۡدِي ‌لِلَّتِي ‌هِيَ أَقۡوَمُ). [الإسراء: 9].

وأتبع: قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: في تفسيره: "يُخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته وأنه {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره".

بلاغته عجز عنها الكل

وواصل الباحث الشرعي حديثه عن القرآن الكريم، بقوله: لعظيم قدره، وعلو مكانته، وسعة أثره، وحكمة الله في أمره ونهيه، وبلاغته في أساليبه ومفرداته؛ تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثله: (قُل لَّئِنِ ‌ٱجۡتَمَعَتِ ‌ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا) [الإسراء: 88].

مختارات من أسراره

وعن الأمثلة القرآنية، قال "الذكري": منها ما جاء فيه من الأمثال التي جعل الله العلم بها والعمل بمقتضاه وصفاً لأهل العلم، قال تعالى: (‌وَتِلۡكَ ‌ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ) [العنكبوت: 43]، وفي الآية الأخرى: (‌وَتِلۡكَ ‌ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21]، وأنها من الله لعباده، كما في قوله: (وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ‌ٱلۡأَمۡثَٰلَ ‌لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ) [النور: 35]، وهي دلالة اهتمام بشأنها وأثرها، ولهذا اهتم سلف الأمة في فهم فهمها وإدراك مقصودها، فقد حكى ابن قيم الجوزية "أن أحداً من علماء السلف الصالح كان كلما أشكل عليه مثل من أمثال القرآن بكى بكاء مراً، وقال: لم أعقل المثل، إذن أنا لست من العالمين، الذين عناهم الله في هذه الآية".

أمثلته الثلاثة

وأردف في حديثه: المثل في اللغة بمعنى "النظير والشبيه"، وفي الاصطلاح "تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس"، وتنقسم الأمثال في القرآن إلى ثلاثة أقسام، في مقدمتها "الأمثال الصريحة" وهي الأمثال التي جاء التصريح ظاهراً بأنها أمثال، ومن أمثلتها: قوله تعالى: (‌مَثَلُهُمۡ ‌كَمَثَلِ ‌ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ) [البقرة: 17].

وواصل الباحث الشرعي حديثه عن الأمثال: جاء في النوع الثاني "الأمثال الكامنة"، وهي الأمثال التي لا يأتي التصريح بها بلفظ المثل، ولكن لها حكم المثل في البلاغة والتأثير. ومن أمثلتها: ما في معنى: (خير الأمور الوسط)، يقابله من أمثال القرآن، قوله تعالى: (وَلَا تَجۡعَلۡ ‌يَدَكَ ‌مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُوراً) [الإسراء: 29].

وختم "الذكري" حديثه: ثالث الأمثال هي "المرسلة"، وهي آيات جرت مجرى الأمثال من غير تصريح بلفظ التشبيه، ومن أمثلتها: قوله تعالى: (‌مَا ‌عَلَى ‌ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ) [التوبة: 91]، (ٱلۡـَٰٔنَ ‌حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ) [يوسف: 51].

ومضة ختامية

ونوّه الباحث الشرعي في نهاية حلقته الأولى عبر "سبق"، إلى أن جميع الأمثال تدُلُ على مقصد إيصال المعنى بأقرب أسلوب وأبلغه. وختم بقوله: للمزيد حول هذا الإعجاز القرآني، أقترح قراءة "الإتقان في علوم القرآن"، للسيوطي، وكذلك "الأمثال في القرآن" لابن القيّم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org