عالم الإدمان لا يرحم من وقع فيه، فهو بقعة معتمة وسط هذا الضوء، وسراب من تبعه تاه فيه، من استسلموا لرغباته كانت بدايتهم رفيق سوء أو سطوة فراغ أو مواجهات ضغوط معيّنة هربوا منها، فوقعوا في الشر المهلك، والنهاية شتات أسرة ودمار نفسي، والسجن لا مفر منه.
لكن الدولة حاربت تجارة هذه السموم، وكفلت للمدمنين العلاج المجاني، وفتحت أبواب المستشفيات، كما واجهت عصابات الترويج بالعقوبات الرادعة، ونحن نلمس اليوم نتائج الحملة الأمنية التي تتعقّب من يبحثون عن المال على حساب أمن المجتمع وصحته العامة واستقرار النظام الأسري والأخلاقي.
"سبق" بدورها حاولت اقتحام هذا العالم والوصول إلى بعض من افترستهم وحوش الترويج، لمعرفة أكثر المواد انتشارًا بين الشباب، فقد أوضح الطبيب "أسامة جمال" أحد المشرفين على حالات الإدمان بمستشفى إرادة لعلاج المدمنين: ينشط تناول استخدام مادة "الامفيتامين" والمهدئات، خصوصًا بين شريحة الشباب.
"إرادة" الذي سهّل لـ"سبق" مهامها، أكد لنا سرية معلومات المدمن وضمان عدم إفشاء أسراره، إضافة إلى علاج الجوانب النفسية والاجتماعية التي بعثرت حياة المدمن، وحثّوا من خلال "سبق" من وقع ضحية الإدمان سرعة العلاج والجدية في المداومة حتى لا يتعرض إلى انتكاسات عكسية.
وأفاد لـ"سبق" بقوله: "نعالج حالات الإدمان على جميع أنواع المخدرات مثل (الامفيتامين- الشبو- الحشيش- الكحول- المهدئات والليريكا والهيروين)".
وعن رحلة علاج الإدمان أوضح: "تبدأ من قسم الطوارئ حيث يقوم المريض بفتح ملف سري لا يطلع عليه إلا الفريق الطبي المعالج فقط، بعد تقييم الحالة وأخذ التاريخ المرضي ثم يُوجّه المريض إلى أحد البرامج العلاجية في العيادات الخارجية أو التنويم في الأقسام".
وبسؤاله عن خطة العلاج قال: "نخفف في البداية الأعراض الانسحابية التي تختلف من مادة لأخرى، يستمر هذا بضعة أيام وذلك بالأدوية المخصصة، ثم نشرع بالمرحلة الثانية والتي تنطلق بعد الانتهاء من سحب السموم، وفيها نُقيّم الحالة النفسية والدوافع التي أدت إلى الوقوع في دائرة الإدمان والأمراض النفسية المصاحبة، وأيضًا دراسة الحالة الاجتماعية ومدى التاثيرات على المريض وأسرته وعمله نتيجة الإدمان".
وأضاف: "كذلك نرسم خطة علاجية تفصيلية لزيادة دافعية المريض ومعها التوعية الدينية، ونمنحهم فرصًا مكثّفة لممارسة الأنشطة الرياضية وعمل جلسات فردية وجماعية للمرضى".
وعن مدة العلاج أوضح: "متوسط فترة العلاج هي ثلاثة أسابيع بعدها يخرج المريض ليتابع في العيادات الخارجية والرعاية اللاحقة، وبالنسبة لبعض المرضى الذين لديهم ظروف اجتماعية خاصة أو لديهم حالات انتكاسة يوجد بالمستشفي برنامج متخصص يعتمد على دافعية المريض، ويستمر عدة شهور يسمى "منتصف الطريق"، لكن نؤكد ضرورة استمرارية وجدية المريض والتغيير الذي يقوم به المدمن في حياته حتى يتخطى هذه المرحلة".
وحرصت "سبق" على معرفة دوافع وقوع بعض الضحايا في هذا العالم الخطر، فالتقينا مدمنًا سابقًا لمادة "الشبو" للوقوف على قصته …فقال: "البداية كانت بسبب رفقاء السوء، كنا نجلس مع بعض الشباب، وعرفت أن واحدًا منهم يستخدمه، ففكرت بتجربته، ومن أول جرعة وقعت في إدمانه".
وأضاف: "كنا نشتري المادة من أحد المروجين ومع إلحاح الرغبة في التعاطي لم أجد المال فاضطررت إلى بيع هاتفي ومكيّف عندنا بالمنزل ومستلزمات أخواتي، ثم زادت الحالة وبدأت أتغيّب عن المنزل والعمل والمناسبات الاجتماعية".
وعن قصة توجهه لطلب العلاج، أوضح: "أهلي عرفوا أمري وفتحوا معي موضوع العلاج لكن رفضت وبعد فترة أمسكت بي الشرطة، بسبب وجود أعراض شديدة معي، فحملوني للمستشفى، ثم أفقت مع العلاج، فالأطباء والمرشدون وجلسات العلاج النفسي جعلتني اتنبه لظلام هذا الطريق، والاختصاصي الاجتماعي اقترب مني وتواصل مع أسرتي لقبولي ودمجي معهم".
والتقينا كذلك أحد الذين يخضعون للعلاج من مادة "الامفيتامين" وهو شاب في العقد الرابع من عمره -موظف سابق- قاده مسلسل الإدمان إلى الانفصال عن زوجته وضياع أسرته، وقد أبدى ندمه الشديد فمن حياة مستقرة لإدمان شديد وفصل عن العمل، وجاءت قصة توبته بعد وفاة صديقه معه وسجنه، وتطورت حالته السلوكية من متعاطٍ يبحث عن لذات عابرة، لمُروّج يبحث عن المال.
قال لـ"سبق": "قصتي مع التعاطي جاءت نتيجة ظروف العمل وجلساء الشر، حيث بدأت بالإدمان حتى أذهب لعملي بنشاط، في البداية كانت حبة واحدة تكفيني لأيام، وفي شهور قصيرة زادت الجرعات وأصبحت استخدم أكثر من قرص يوميًا استمر معها لأيام بلا نوم، ثم أنام يومين متواصلين".
وزاد: "بدأت أتأثر نفسيًا وأفقد أعصابي على أسرتي، فكانت زوجتي تشك في حالتي، وزادت الحالة ترديًا بغيابي عن الأسرة والاجتماعات، وتفاقم معي الإدمان حتى بدأت استخدم يوميًا، فلم استطع توفير المبلغ ثم اتجهت إلى الترويج".
واستدرك: "غيابي عن العمل أربك استقراري وزوجتي هربت لأهلها وطلبت الطلاق، بعدها قُبض عليّ وأودعت السجن فترة وخرجت فاقدًا كل شيء أهلي وعملي وأولادي، رجعت استخدم مرة أخرى بقوة بسبب الفراغ وغياب الناصح المرشد".
وعن قصة التحوّل التي جعلته يستوعب ضياعه قال: "أخذت ليريكا حتى أعرف أنام، وكان معي صديقي فوقع لنا حادث فتوفي رفيقي، كان موقفًا مؤثرًا لي، حينها أدركت المشكلة، فسألت وعرفت المستشفى لكن كنت أخاف السجن وفضح أمري".
ثم أكمل قصة ندمه وطلبه العلاج، موضحًا: "قدمت للطوارئ استقبلوني وتنومت بالأقسام، الأطباء شرحوا لي الوضع الصحي والخطورة ثم بدأت بالعلاج ساعدني هذا في تخفيف الوساوس وحالات الإدمان، وكأني أفقت من النوم شعرت بالندم الشديد على ما جرى لي، فقدت كل شيء، وظيفتي أسرتي أولادي".
واختتم قائلاً: "الاختصاصية الاجتماعية تواصلت مع زوجتي عدة مرات وحاولت تقريب وجهات النظر، وتلقيت العلاج النفسي، والإرشاد الديني جعلوني أستطيع مقاومة رغبة الاشتياق وأشغل وقت فراغي، خرجت بعد ٢٥ يومًا إنسانًا مختلفًا أشعر بأني مولود جديد".