سِحر الصحراء.. "أم سالم" تُطرب بمُكائها كـ"عازف الناي".. و"سبق" ترصد تفاصيل حياتها بالفيديو

يعرفها البعض بـ"ملاعبة الرعيان".. جوانب من طرق طيرانها وتكاثرها ورعايتها لصغارها

مع بداية بواكير الربيع في وسط وشمال الجزيرة العربية تتزين الصحراء بجمالها وتتوشح حلتها الخضراء، ويبدأ طائر رشيق صغير الحجم يسمى "أم سالم" في مغازلة أنثاه، فيعلو الذكر كبد السماء، ثم يصدر صفيرًا مستمرًّا كعازف "الناي" لجذب الإناث؛ إذ لا يقوم بالصفير والاستعراض إلا الذكر ليعلن للإناث عن تواجده وليحذّر الذكور الأخرى من الاقتراب من منطقة نفوذه التي تكون في حدود مساحة كيلومتر، ويمتد نشاطه وصفيره وحركاته المثيرة "هبوطًا وصعودًا وشقلبة في الجو" طوال فصل الربيع، أي أن التغريد الاستعراضي سيشاهده مَن يذهب في رحلة برية خلال هذه الأيام؛ مما يضفي على سحر وجمال الصحراء أصواتًا متناغمة تهز الوجدان وتطرب الأسماع.

"سبق" بدورها تستقرئ في هذا التقرير حياة الطائر الذي يستوطن الجزيرة العربية وينتشر في صحرائها الشاسعة، ويبدأ تزاوجه في نهاية شهر يناير وبداية شهر فبراير.

اسمها في مصادر اللغة.. وسبب التسمية

هذا الطائر الصغير المستوطن في صحاري المملكة والذي نطلق عليه محليًّا اسم "أم سالم"، هو الطائر المعروف في مصادر التراث العربي باسم "المُكّاء" ففي مختار الصحاح للرازي قال: المكاء بالضم والتشديد والمد طائر والجمع المكاكي والمكاء"، وسُمي بالمكاء كما ورد في كتاب مقاييس اللغة لابن فارس؛ لأنه يمكو أي يصفر، والمكاء في اللغة هو الصفير، وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عن البيت إلا مكاء وتصدية} المكاء الصفير، والتصدية الصفير.

توثيق إطعامها لصغارها وتنظيفها للعش

وثّق المهتم بالبيئة والحياة الفطرية ثابت الفضل بالفيديو والصور أنثى طائر أم سالم وهي تطعم صغارها في صحاري مركز القصب شرق محافظة شقراء، كما كشف المقطع عناية الطائر بعش صغاره من خلال تنظيفه من الشوائب والفضلات.

وقال "الفضل": بقيت في الصحراء ساعات طويلة في البحث عن عش الطائر، حتى وجدته، وفي الحال وضعت كاميرا حول العش ترصد حركاته وطريقة عيشه".

وأضاف: تابعتُ أنثى الطائر وهي ترقد على البيض، واستمرت المتابعة حتى فقس البيض، ورصدت كيفية إطعامها لصغارها وعنايتها بتنظيف عشها من الفضلات ووثقتُها بمقاطع الفيديو لأخص بها متابعي "سبق".

طعامه المفضل.. ولماذا يطلق عليه " قبرة هدهدية"

طائر "أم سالم" من أشهر طيور الجزيرة العربية؛ حيث تعيش في الصحراء القاحلة وتعتمد في طعامها على الديدان والحشرات الصغيرة والسحالي والحبوب بأنواعها، ويساعدها منقارها الطويل المعقوف للأسفل في الحفر بالرمال، ولها حركات مشابهة للهدهد؛ ولذلك سميت بالأجنبي "قبرة هدهدية" والاسم العلمي: Alaemon alaudipes وبالإنجليزية: Greater Hoopoe-Lark)، وهو طائر ينتمي إلى قبرة (فصيلة: Alaudidae).

لونه وشكله وحجمه

ولون "أم سالم" رملي، كما البيئة التي تحب أن تعيش بها، ولها خط أبيض على الجناح يشاهَد خلال الطيران، أما تغريد "أم سالم" فهو صوت حزين دائمًا، ويذكر من يستمع إليه بجمال الصحراء والحنين إليها؛ ولذا له شهرته في الشعر العربي القديم.

وهي أكبر طيور القبرة حجمًا في المنطقة، يصل طول جسمه إلى 20 سم تقريبًا، يغطي اللون الرملي السطح العلوي مع نقاط سوداء، والسطح السفلي فاتح اللون، له منقار طويل مقوس قليلًا إلى أسفل يصل طوله إلى 4 سم تقريبًا، للحفر في الرمال والبحث عن غذائه، والأجنحة مخططة بالأبيض والأسود كالهدهد، والأرجل طويلة.

"صعود وهبوط وشقلبة وحركات مثيرة".. تميزه عن غيره

يمكن التعرف على طائر "أم سالم" وتمييزه عن غيره من الطيور من طريقة طيرانه الغريبة؛ حيث يطير إلى ارتفاع 20 مترًا في الجو ويقوم بحركات مثيرة من شقلبة وصعود وهبوط، ثم يهوي بسرعة انسيابية خاطفة نحو الأرض والأجنحة مفرودة حيث يصل امتدادها إلى 41 سم تقريبًا، وهو يفضل الجري على الرمال عن الطيران بمساعدة أرجله الطويلة، كما تساعد أرجله الطويلة أيضًا على حمل جسمه عاليًا بعيدًا عن الرمال الصحراء الحارقة؛ إذ إنه يجري ثم يقف منتصف القامة.

كيف يستغني عن شرب الماء في الصحراء

قليل من الطيور لا تعتمد على شرب الماء، ويمكنها تعويض ذلك من السوائل الموجودة في الحشرات، ومن هؤلاء "أم سالم"، التي تشرب الماء عند توفره فقط، ويمكنها تحمّل قساوة الصحراء، وحرارتها المرتفعة، كما يساعدها منقارها الطويل في حفر الرمال والبحث عن الحشرات تحتها.

تكاثرها.. وردة فعلها عندما تقترب من عشه

تضع أنثى "أم سالم" من 2 إلى 3 بيضات تقريبًا وتفقس بعد فترة وجيزة، وعند محاولة الاقتراب من العش يقوم الطائر الذكر بالجري مسافة قصيرة، ثم يتظاهر بالإصابة كنوع من التمويه لحماية العش.. وجعَل الله سبحانه وقت تفقيس البيض في بداية الربيع عندما يكون الغذاء متوفرًا للفراخ التي تكبر بسرعة كبيرة بعد تناولها كميات كبيرة من الحشرات يوميًّا، وتبقى الفراخ مدة قصيرة مع الأم ثم ما تلبث أن تعيش حياتها بمفردها.

ما سبب رشاقة جسمها؟

جسم "أم سالم" جسم رشيق بالنسبة لبقية الطيور الأخرى؛ لأن الطيور في الغالب يكون لها موسم هجرة، وتضطر قبل هجرتها إلى التزود بالدهون من خلال زيادة الأكل؛ لكي تستطيع تحمّل رحلتها الشاقة، أما الطيور المقيمة مثل "أم سالم" وغيرها، فهي تحتاج إلى طعام يوم واحد فقط، ولا تخزّن الدهون في الجسم؛ ولذا فهي رشيقة دائمًا، ولا يُنصح بصيدها أو أكلها لأن طعامها يتكون من الديدان.

"أم سالم مُلاعبة الرعيان".. مَثَلٌ تَعَرّف على معناه

جاء في المثل الشعبي "أم سالم ملاعبة الرعيان" للشخص الذي يُشغل غيره بالكلام اللطيف فيما لا فائدة منه، وقد جاء أصل المثل من جمال مشهد تغريد أو صفير "أم سالم" مع حركاتها الاستعراضية في فصل الربيع؛ حيث ترتفع ثم تهوي بشكل عمودي إلى قبيل سقوطها على الأرض، ثم تعيد تكرار الاستعراض مع الصفير؛ مما يغري الرعاة فينشغلون بمراقبتها بدلًا من مراقبة الماشية.

ما الفرق بين "أم سالم" و"مُلهي الرعيان"

يخطئ البعض ويسمون "أم سالم" بـ"ملهي الرعيان"؛ بينما "ملهي الرعيان" اسم شعبي يُطلق على طائر آخر بحجم الحمامة وهو نوع مهاجر، ومن خصائصه أنه ليلي المعيشة، ويبقى في النهار خاملًا على سطح الأرض، وإذا اقترب منه الشخص يطير لمسافة قصيرة ويحط بشكل رأسي وكأنه سقط ميتًا، فيندفع وراءه من يحاول أن يغنم بصيده فيكرر الطيران والسقوط؛ لكن ليس من السهل الإمساك به، ولأن الرعاة هم أكثر من يرى هذا المشهد في البرية، كانوا يتسلون بملاحقة هذا الطائر، ومن هنا أتت التسمية، ويُعرف هذا الطائر في الحاضرة باسم "لبيد السحا".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org